صفحة رقم ٣٩٦
ولما كان إيباسه وتسويده بعد اخضراره ونموه في غاية الدلالة على تمام القدرة وكمال الاختيار بمعاقبة الأضداد على الذات الواحدة قال تعالى :( فجعله ) أي بعد أطوار من زمن إخراجه ) غثاء ) أي كثيراً، ثم أنهاه فأيبسه وهشمه ومزقه فجمع السيب بعضه إلى بعض فجعله زبداً وهالكاً وبالياً وفتاتاً على وجه الأرض ) أحوى ) أي في غاية الري حتى صار أسود يضرب إلى خضرة، أو أحمر يضرب إلى سواد، أو اشتدت خضرته فصارت تضرب إلى سواد، وقال القزاز رحمه الله في ديوانه : الحوة شية من شيات الخيل، وهى بين الدهمة والكمتة، وكثر هذا حتى سموا كل أسود أحوى - انتهى.
فيجوز أن يريد حينئذ أنه أسود من شدة يبسه فحوته الرياح وجمعته من كل أوب حيت تفتت، فكل من الكلمتين فيها حياة وموت، وأخر الثانية لتحملها لأن دلالتها على الخضرة أتم، فلو قدمت لم تصرف إلى غيرها، فدل جمعه بين الأضداد على الذات الواحدة على كمال الاختيار، وأما الطبائع فليس لها من التأثير لتحملهما لأن دلالتها على الخضرة أتم، فلو قدمت لم تصرف إلى غيرها، فدل جمعه بين الأضداد على الذات الواحدة على كمال الاختيار، وأما الطبائع فليس لها من التأثير الذي أقامها سبحانه فيه إلا الإيجابي كالنار متى أصابت شيئاً أحرقته، ولا تقدر بعد ذلك أن تنقله إلى صفة أخرى غير التي أثرتها فيه، وأشار بالبداية والنهاية إلى تذكر ذلك، وأنه على سبيل التكرار في كل عام الدال على بعث الخلائق، وخص المرعى لأنه أدل على البعث لأنه مما ينبته الناس، وذا انتهى تهشم وتفتت وصار تراباً، ثم يعيده سبحانه بالماء على ما كان عليه سواء كما يفعل بالأموات سواء - من غير فرق أصلاً.
ولما استوفى سبحانه وتعالى وصف من أمره ( ﷺ ) بتسبيحه بما دل على أوصاف جماله ونعوت كبريائه وجلاله، وشرح ما له سبحانه من القدرة التامة على الإبداع والهداية والتصرف في الأرواح الحسية والمعنوية بالنشر والطي والقبض والبسط، فدل على تمام أصول الدين بالدلالة على وجوده سبحانه على سبيل التنزل من ذاته إلى صفاته ثم إلى أفعاله فتم ما للخالق، أتبعه ما للخلائق وبدأ بما لأشرف خلقه المنزل عليه هذا الذكر تقديراً للنوبة التي بها تتم السعادة بالحاقئق الواصلة من الحق إلى عبده، التي بها يتم أمره من القوتين العلمية ثم العملية بقبول الرسالة بعد التوحيد، لأن حياة الإنسان لا يتم طيبها إلا بمقتدي يقتدى به من أقواله وأفعاله وسائر أحواله، ولا مقتدي مثل المعصوم عن كل ميل الموجب ذلك الحب من كل ما يعرف حاله، والحب في الله أعظم دعائم الدين، فقال معللاً للأمر بالتسبيح للموصوف بالجلال والجمال دالاً على أنه يحيي ميت الأرواح بالعلم كما يحيي ميت الأشباح بالأرواح ) سنقرئك ) أي نجعلك بعظمتنا بوعد لا خلف فيه على سبيل التكرار بالتجديد والاستمرار قارئاً، أي جامعاً لهذا الذكر الذي هو حياة الأرواح بمنزلة حياة الأشباح، الذي تقدم أنه قول فصل، عالماً به


الصفحة التالية
Icon