صفحة رقم ٤٠
الكرية وإحاطة كل منها بالتي تحتها، وأن التي نحن عليها هي السابعة العليا كالسماء السابعة التي سقفها الكرسي لأن ذلك أدل على ما السياق له من تمام العلم وشمول القدرة في الاستدلال عليه بقوله :( يتنزل ) أي بالتدريج ) الأمر ) أي الذي يجود به الرحمن من التدبير من أمر الدين والتكوين من العرش والكرسي ) بينهن ( بالوحي من السماء السابعة العليا إلى الأرض السابعة السفلى وأنتم ترونهن بلا فروج فأنفذ بينهن حتى نفذ فيهن، وذلك - والله أعلم - هو ما يريد من عظيم تدبيره بإنزال الكتب وإرسال الرسل وإثبات شريعة ومحو أخرى وتوجيه الأسباب إلى المسببات من المطر والنبات والليل والنهار والفصول وخلق الحيوانات والمعادن وسائر النباتات، وترديد الملائكة بسائر المصنوعات، هذا ما دل عليه ظواهر الكتاب والسنة، وأولها بعضها بأنها سبعة أقاليم، وهو مردود بعد القاعدة في أن التأويل بغير دليل لعب بما يأتي من صريح الحديث النبوي والكلام الضابط فيما يؤول وما لا يؤول أن النقليات أربعة أقسام : قطعي السند والدلالة، ظنيهما، ظني السند قطعي الدلالة، عكسه : قطعي السند ظني الدلالة، فالأول يجب اعتقاد ظاهره، ومن خالفه كفر، والبقية يجب اعتقاد ظواهرها ما لم تعارض، فإن عورضت بقطعي وجب العدول عن الظاهر إجماعاً، فمن اعتقده كفر، ثم للناس بعد ذلك مذهبان : أما السلف فيفوضون المراد إلى الله تعالى، وأما الخلف فإن كان لذلك محمل واحد عينوه، وإن كان ثَم محامل سردوها ولم يعينوا شيئاً منها مع اعترافهم بأنهم ليسوا على قطع من أن المراد شيء مما ذكروه، وإنما هو شيء يليق بالمقام والعلم عند الله وبأن طريق السلف أقرب وأسلم وبأنه ما حملهم على التأويل إلا انتشار المبتدعين وإشهارهم بدعتهم بين الناس، قال الإمام علاء الدين القونوي رحمه الله تعالى في باب السير من سرحه الحاوي : قال الإمام - يعني إمام الحرمين : ولو بقي الناس على ما كانوا عليه من صفوة الإسلام لما أوجبنا التشاغل بعلم الكلام بل ربما نهينا عنه، وأما الآن وقد ثارت البدع فلا سبيل إلى تركها تلتطم أمواجها فلا بد من إعداد ما يدعى به إلى المسلك الحق وتحل به الشبهن فصار الاشتغال بأدلة المعقول وحل الشبه من فروض الكفايات، ومن استراب في أصل من أصول الإعتقاد فعليه السعي في إزاحتة إلى أن يستقيم عقده - انتهى.
ثم إنك تجد العلماء يختلفون في بعض الأدلة فبعضهم يجريها على الظاهر وبعضهم يؤول، وذلك للاختلاف في المعارض هي هو قطعي الدلالة أم لا، وهذا الموضع منه، لإن ظواهر الكتاب والسنة تدل على أن الأرضين مثل اسماوات في العدد في أن بينهما خلاء، وفي أن في كل واحدة مخلوقات لا يعلمها إلا الله، بل بعض الأخبار يكاد يقطع به في ذلك، ولكنه لم


الصفحة التالية
Icon