صفحة رقم ٤١١
من الذي خلقها بلا عمد على ما لها من السعة والكبر والثقل والإحكام وما فيها من جبال الكواكب والغرائب والعجائب، فذلك دال على القدرة التامة التي لا يشارك تعالى فيها أحد قل ولا جل على إيجاد الجنة العالية وعلى رفع السرر فيها لأنه دل على الفعل بالاختيار ونفي حكم الطبيعة حكماً وحتماً، وذلك دال على كمال قدرته تعالى على كل شيء.
ولما ذكر العالي من الحيوان الملابس للانسان والعالي من الأكوان، أتبعه أعلى الأعرض فقال تعالى :( وإلى الجبال ) أي الشامخة وهي أشد الأرض ) كيف نصبت ) أي كان نصبها من ناصبها عالية جداً على بقية الأرض بلا موجب فيها لذلك من طبيعة ولا غيرها بل بفعل الفاعل المختار فهي راسخة لا تميل، فوضعها كذلك على ما فيها من المنافع من المياه الجارية والأشجار المختلفة أعجب من وضع الأكواب والنمارق المزينة، وبها مع ذلك ثبتت الأرض وحفظت من الميد، واعتدل أمر الكواكب في تقدير الليل والنهار باعتدال البلاد بالطلق بإعلاء بعضها قبل بعض حتى كانت المطالع والمغارب على ترتيب مطرد ونظام محكم غير منخرم تقدر به الأزمان والفصول والسنون والأيام والشهور - إلى غير ذلك من الأمور، ولا يكون ذلك لها إلا بقاهر قادر مختار لا شريك له.
ولما كان الخفض لا يكون إلا بخافض قاهر كما أن الرفع كذلك قال تعالى :( وإلا الأرض ) أي مع سعتها ) كيف سطحت ) أي اتفق بسطها من باسطها حتى صارت مهاداً موضوعاً يمشي عليه بغاية السهولة، والقدرة على جعلها كذلك على ما هي فيه من الزينة بناصر النبات وغير ذلك من الاختلافات دالة على الفعل بالاختيار، وليست بدون القدرة على بث الزرابي في الجنة على اختلاف أشكالها وصورها وألوانها.
ولما دل ما ذكر من عجائب صنعه في أنواع المخلوقات من البسائط والمركبات العلويات ولاسفليات على كمال قدرته على كل شيء، فدل على كمال قدرته - على البعث وعلى كل ما ذكر أنه يفعله في الجنة والنار، وكان الحث على النظر في هذه الأشياء باستفهام إنكاري، وكان ذلك مفيداً لانتفاء النظر، قال سبحانه مسبباً عنه :( فذكر ( كل من يرجى تذكره وانتفاعه بالتذكير يا أشرف خخلقنا بما في غرائزهم وفطرهم من العلم الأولى بما في هذه الأشياء وأمثالها مما يدل على صحة ما نزلنا عليك ليدلهم على كمال قدرة الذي بعثك فينقادوا لك أتم انقياد لا سيما في اعتقاد حقية البعث، ولا يهمنك كونهم لا ينظرون ولا يتطرفون، ولعل التذكير يوصل المتذكر إذا أقبل عليه بحسن رغبة إلى أن يعرف أن الإبل تشبه الأنفس المطمئنة الذلولة المطيعة المناقدة،


الصفحة التالية
Icon