صفحة رقم ٤٢٢
القدرة بل تقودها الملائكة، فكلما عالجوها ذهاباً وإياباً حصل للناس من ذلك من الهول ما لا يعلمه إلا الله تعالى، وكان المهول نفس المجيء بها لا تعيين الفاعلين، لذلك بني للمفعول قوله :( وجاء ) أي بأسهل أمر ) يؤمئذ ) أي إذ وقع ما ذكر ) بجهنم ) أي النار التي تتجهم من يصلاها، روي أنه يؤتى بها لها سبعون ألف زمان مع كل زمام سبعون ألف ملك، وهو كقوله تعالى :
٧٧ ( ) وبرزت الجحيم لمن يرى ( ) ٧
[ النازعات : ٣٦ ] وأبدل من ( إذا ) توضيحاً لطول الفصل وتهويلاً قوله :( يومئذ ) أي إذ وقعت هذه الأمور فرأى الإنسان ما أعد للشاكرين وما أعد للكافرين.
ولما قدم هذه الأمور الجليلة والقوارع المهمولة اهتماماً بها وتنبيهاً على أنها، لما لها من عظيم الموعظة، جديرة بأن يتعظ بها كل سامع، ذكر العامل في ظرفها وبدله فقال :( يتذكر الإنسان ) أي على سبيل التجديد والاستمرار فيذكر كل ما كان ينفعه في الدنيا وما يضره فيعلم أن حبه للدنيا لم يفده إلا خساراً، لا زاد بحبها شيئاً لم يكتب له ولا كان ينقصه بذلها شيئاً كما كتب له أو بذلها، وإذا تذكر ذلك هان عليه الذل، وليست تلك الدار دار العمل، فلذلك قال :( وأنى ) أي كيف ومن أي وجه ) له الذكرى ) أي نفع التذكر العظيم فإنه في غير موضعه، فلا ينفعه أصلاً بوجه من الوجوه لفوات دار العمل، ولا يقع بذلك على شيء سوى الندم وتضاعف الغم والهم والآلام.
ولما كان الندم يقتضي ان يعمل الإنسان ما ينافيه، بين أنه ليس هناك عمل إلا إظهار الندم فاستأنف قوله :( يقول ) أي متمنياً المحال على سبيل التجديد والاستمرار :( يا ليتني ( وهل ينفع شيئاً ( ليت ) ) قدمت ) أي أوقعت التقديم لما ينفعني من الجد والعمل به ) لحياتي ) أي أيام حياتي في الدنيا أو لأجل حياتي هذه الباقية التي لا موت بعدها، ويمكن أن يكون سبب تمنيه هذا علمه بأنه كان في الدنيا مختاراً، وأن الطاعات في نفسها كانت ممكنة لا مانع له منها في الظاهر إلا صرف نفسه عنها وعدم تعليق ما أتاه الله من القوى بها.
ولما كان هذا غير نافع له، سبب عنه قوله :( فيومئذ ) أي إذ وقعت هذه الأمور كلها ) لا يعذب ) أي يوقع ) عذابه ) أي عذاب الله، أي مثل عذابه المطلق المجرد فكيف بتعذيبه.
ولما اشتد التشوف إلى الفاعل، أتى به على وجه لا أعم منه أصلاً فقال :( أحد ( ولما جرت العادة بأن المعذب يستوثق منه بسجن أو غيره، ويمنع من كل شيء يمكن أن يقتل به نفسه، خوفاً من أن يهرب أو يهلك نفسه قال :( ولا يوثق ) أي يوجد ) وثاقه ) أي مثل وثاقه فكيف بإيثاقه ) أحد ( والمعنى أنه لا يقع في خيال أحد لأجل