صفحة رقم ٤٥٧
يتمه من الأبوين قبل بلوغه لئلا يكون عليه - كما قال جعفر الصادق - حق لمخلوق، فقال مقرراً له :( ألم يجدك ) أي يصادفك أي يفعل بك فعل من صادف آخر حال كونه ) يتيماً فآوى ( ولما كان يلزم من اليتم في الغالب عدم العلم لليتيم لتهاون الكافل، ومن عدم العلم الضلال، قالمبيناً أن يتمه وإهماله من الحمل على دينهم كان نعمة عظيمة عليه لأنه لم يكن على دين قومه في حين من الأحسان أصلاً :( ووجدك ) أي صادفك ) ضالاً ) أي لا تعلم الشرائع
٧٧ ( ) ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ( ) ٧
[ الشورى : ٥٢ ] فأطلق اللازم وهو الضلال على الملزوم، والمسبب على السبب، وهو عدم العلمن فكنت لأجل ذلك لا تقدم على فعل من الأفعال لأنك لا تعلم الحكم فيه إلا ما عملت بالعقل الصحيح والفطرة السليمة المستقيمة من التوحيد وبعض توابعه، وهذا هو التقوى كما تقدم في الفاتحة، ولم يرد به حقيقته وإنما أعراث من التعلق بشيء من الشرائع ونحوها بإعدام من يحمله على ذلك ليفرغه ذلك التأمل بنفسه فيوصله بعقله السديد إلى الإعتقاد الحق في الأصول والوقوف في الفروع ) فهدى ) أي فهداك هدى محيطاً بكل علم، فعلمك بالوحي والإلهام والتوفيق للنظر ما لم تكن تعلم.
ولما كان العيال يمنعون من التفرغ لعلم أو غيره قال :( ووجدك ) أي حال كونك ) عائلاً ) أي ذا عيال لا تقدر على التوسعة عليهم أو فقيراً، قال ابن القطاع : عال الرجل : افتقر، وأعال : كثر عياله.
) فأغنى ( بما جعل لك من ربح التجارة ثم من كسب الغنائم وقد أفهم ذلك أن الناس أربعة أقسام : منهم من وجد الدين والدنيا، ومنهم من عدمهما، ومنهم من وجد الدين لا وجد الدنيا، ومنهم من وجد الدنيا لا الدين.
ولما ذكره بما أنعم عليه به من هذه النعم الثلاث أوصاه بما يفعل في ثلاث مقابلة لها، فقال مسبباً عنه مقدماً معمول ما بعد الفاء عليها اهتماماً :( فأما اليتيم ) أي هذا النوع ) فلا تقهر ) أي تغلبه على شيء فإنما أذقتك اليتم تأديباً بأحسن الآداب لتعرف ضعف اليتيم وذله، وفوق ذلك كفالته وهي خلافة عن الله لأن اليتيم لا كافل له إلا الله، ولهذا قال النبي ( ﷺ ) :( أنا وكافل اليتيم كهاتين ) - وأشار بالسبابة والوسطى.
ولما بدأ بما كان بداية له، ثنى بما هو نهاية له من حيث كاونه يصير رأس الخلق فيصير محط الرجال في كل سؤال من علم ومال، فقال مقدماً له اهتماماً به إشارة إلى أنه جبر الخواطر والاستئلاف الخلق من أعظم المقصاد في تمام الدين :( وأما السائل ) أي الذي أحوجته العيلة أو غيرها إلى السؤال ) فلا تنهر ) أي تزجر زاجراً مهيناً، فقد علمت مضاضة العيلة، بل أعطه ولو قليلاً، أو رده رداً جميلاً، وكذا السائل في العلم.
ولما ذكر له تفصيل ما يفعل في اليتيم والفقير والجاهل، أمره بما يفعل في العلم