صفحة رقم ٤٦٢
يمنعه من بعض الإبلاغ ويمسك بثوبه لئلا يخرج إلى النار فيقول لهم ذلك فيحصل له ما يكره فيجذب نفسه منه ويخرج إليهم فيخبرهم كما وقع في أمر الإسراء وغيره، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : هو أن جبريل عليه الصلاة والسلام شق صدره فأخرج منه قلبه فشرحه وأخرج منه علقة سوداء فأنقاه وغسله ثم ملأه علماً وإيماناً وحكمة، يعني فصار يحتمل ما لا يحتمله غيره، وخف عليه ما يثقل على غيره، ولا شك أن ذلك وزر لغوي، وهو واضح، وشعري بالمال على تقدير ترك الامتثال اللازم للاستثقال، وقد أعاذه الله من ذلك.
وقال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير : معنى هذه السورة من معنى السورة قبلها، وحاصل السورتين تعداد نعمه سبحانه وتعالى عليه، فإن قلت : فلم فصلت سورة ألم نشرح ولم ينسق ذكر هذه النعم في سور واحدة، قلت : من المعهود في البشر فيمن عدد على ولده أو عبده نعماً أن يذكر له أولاً ما شاهد الحصور عليه منها بسببه مما يمكن أن يتعلق في بعضها بأن ذلك وقع جزاء لا ابتداء، فإذا استوفى له ما قصده من هذا، أتبعه بذكر نعم ابتدائيه قد كان ابتداؤه بها قبل وجوده كقول الأب مثلاً لابنه : ألم أختر لأجلك الأم والنفقة حيث استولدتك وأعددت من مصالحك كذا وكذا، ونظير ما أشرنا إليه بقوله سبحانه لزكريا عليه الصلاة والسلام
٧٧ ( ) ولم تك شيئاً ( ) ٧
[ مريم : ٩ ] وقد قدم له
٧٧ ( ) إنا نبشرك بيحيى ( ) ٧
[ مريم : ٧ ] والية ) إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى ( وتوهم استبداد الكسبية في وجود الولد غير خافية في حق من قصر نظره ولم يوفق فابتدئ بذكرها ثم أعقب بما لا يمكن أن يتوهم فيه ذلك، وهو قوله :
٧٧ ( ) وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً ( ) ٧
[ مريم : ٩ ] وله نظائر من الكتب وعليه جاء ما ورد في هاتين السورتين - والله أعلم - انتهى.
ولما شرفه في نفسه بالكمال الجامع للجلال إلى الجلال، وكان ذلك لا يصفو إلا مع الشرف عند الناس قال :( ورفعنا ) أي بما لنا من العظمة والقدرة الباهرة ) لك ) أي خاصة رفعة تتلاشى عندها رفعة غيرك من الخلق كلهم ) ذكرك ( عند جميع العالمين العقلاء وغيرهم بالصدق والأمانة والحلم والرزانة ومكارم الأخلاق وطهارة الشيم وانتفاء شوائب النقص حتى ما كانت شهرتك عند قومك قبل النبوة إلا الأمين، وكانوا يضربون المثل بشمائلك الطاهرة، وأوصافك الزاهرة الباهرة، ثم بالنبوة ثم بالرسالة ثم بالهجرة، وبأن جعلنا اسمك مقروناً باسمنا في كلمة التوحيد والإيمان والإذان والإقامة والتشهد والخطبة، فلا أذكر إلا وذكرت معي، ومن الكرامة الظفر على أعدائك والكرامة لأوليائك، وجعل رضاك رضاي وطاعتك طاعتي، وأمر ملائكتي بالصلاة عليك،