صفحة رقم ٤٧٠
التين :( ١ - ٨ ) والتين والزيتون
) وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ( ( )
ولماكان التين أحسن الفواكه تقويماً فما فيما ذكروا من فضيلته، وهو مع كونه فاكهة شهية حلوة جداً - غذاء يقيم الصلب وقوت كالبر وسريع الهضم، ودواء كثير النفع يولد دماً صالحاً وينفع الرئة والكلى ويلين الطبع ويحلل البلغم ويزل رمل المثانة ويفتح سدد الكبد والطحال، فكان جامعاً لجميع منافع المتناولات من الغذاء والتفكه والتحلي والتداوي، فهو كامل في مجموع ما هو فيه من لذة طعمه وكثرة نفعه، وكونه كفاكهة الجنة بلا شائبة تعوق عن أكله من صنوان يتعب أو نوى يرمى، مع أنه ينتفع به رطباً ويابساً، وهو مع ذلك في سرعة فساده وسوء تغيره أسفلها رتبة وأردؤها مغبة، فهو كالفطرة الأولى في مبدئه سهولة وحسناً وقبولاً لكل من الإصلاح والتغير، كآخر الهرم عند نهايته في عظيم تغيره بحيث إنه لا ينتفع بشيء منه إذا تغير، وغيره من الفواكه إذا فسد جانب منه بقي آخر فكان في هذا كالقسم للسافل من الإنسان أقسم الله تعالى به فقال :( والتين ( بادئاً به لأن القسم المشار به إليه أكثر، فالأهتمام به أكبر.
ولما كان الزيتون في عدم فساد يطرقه أو تغير يلحقه، وفيه الدسومة والحرافة والمرارة، وهو إدام ودواء مع تهيئه للنفع بكل حال في أكله بعد تزييته والتنوير بدهنه والادهان به لإزالة الشعث وتنعيم البشرة وتقوية العظم وشد العصب وغير ذلك من المنافع مع لدنه وما يتبع ذلك من فضائله الجمة كالمؤمن تلاه به فقال :( والزيتون ( ولما كان مع ذلك مشاراً بهما إلى مواضع نباتها وهي الأرض المقدسة من جميع بلاد الشام إيماء إلى من كان بها من الأنبياء والتابعين لهم بإحسان لا سيما إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذي كانت مهاجره فأحياها الله تعالى بعباده وتردد الملائكة إليه بالوحي ومن بعده أولاده الذين طهرها الله بهم من الشرك وأنارها بهم بالتوحيد، وختمهم بعيسى عليه الصلاة والسلام أحد أولي العزم المشرف بكونه من أمة محمد ( ﷺ ) وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، وكانت الكناية بالشجرتين عن البلد المراد به سكانه أبلغ من التصريح أشرافهم إلا موسى وهارون وإسماعيل ومحمد عليهم الصلاة والسلام، فأشار إلى الأولين بقوله معبراً بما يدل على أحسن التقويم لأن الطور الجبل ذو النبت من النجم والشجر المثمر وغيره :( وطور ) أي جبل المكان المسمى بهذا الاسم.
ولما كان الكلام في التقويم، كان المناسب له صورة جمع السلامة فقال تعالى :


الصفحة التالية
Icon