صفحة رقم ٤٧٣
لأن الدرجة الواحدة تتفاوت غلى ما لا يدخل تحت حصر كتفاوت أفارد الإنسان في صورة وألوانه، وغير ذلك من أكوانه وبديع شأنه، وقد بينت ذلك في تصنيف مفرد لهذه الكلمة سميته : تهديم الأركان من ( ليس في الإمكان أبدع مما كان )، وأوضحته غاية الإيضاح والبيان، وجرت فيه فتن تصم الآذان، ونصر الله الحق بموافقة الأعيان، وقهر أهل الطغيان، ثم أردفته بكتاب ( دلالة البرهان على أن في الإمكان أبدع مما كان ثم شفيت الأسقام، ودمغت الأخصام، وخسأت الأوهام، بالقول الفارق بين الصادق والمنافق، وهو نحو ورقتين في غاية الإبداع في قطع النزاع، ويمكن أن تكون صيغة أفعل مفيدة بالنسبة إلى شيء أراده الله بحيث إن نتفطن له نحن لأن من المجمع عليه عند أهل السنة وصرح به الأشعري وغيره في غير موضع من كتبهم أن الله تعالى لا تتناهى مقدوراته، وممن صرح بما صرح به الأشعري وأكثر في الإمام حجة الإسلام الغزالي في كتبه الإحياء وغيره ولا سيما كتابه ) تهافت الفلاسفة ( وبين أن هذا من قواعدهم لنفيهم صفة الإرادة وقولهم بأن فعله بالذات، وبين فساد ذلك، وأنه سبحانه وتعالى قادر على اختراع عالم آخر وثالث متفاوته بالصغر والكبر، وعلى كل ممكن، وعرف أن الممكن هو المقدور عليه وأنه يرجع إلى المقدور عليه أيضاً ممكن، وعرف الممتنع بانه إثبات الشيء مع نفيه، وإثبات الأخص مع نفي الأعم، وإثبات الاثنين مع نفي الواحد، وقال : وما لا يرجع إلى ذلك فهو ممكن، فدخل فيه عالم أبدع من هذا العالم - والله الموفق لما يريد.
ولما كان الإنسان مع هذه المحاسن قد سلط الله سبحانه وتعالى عليه شهوات وهيأ طبعه لرذائل وأخلاق دنيئات، وأهوية وحظوظ للأنفس مميلات، وكان أكثر الخلق بها هالكاً لتتبين قدرة الله سبحانه وتعالى، لم يستثن بل حكم على الجنس كله بها كما حكم عليه بالتقويم، فقال تعالى دالاً بأداة التراخي على أن اعوجاجه بعد ذلك العقل الرصين والذهن الصافي المستنير في غاية البعد لولا القدرة الباهرة والقوة القاسرة القاهرة :( ثم رددناه ) أي بما لنا من القدرة الكاملة والعلم الشامل، فعطل منافع ما خلقناه له فضيع نفسه وفوّت أساب سعادته ونكسناه نحن في خلقه، فصار بالأمرين في خلقه وخلقه نفساً وهوى أو أعم من ذلك بالنكس ) أسفل سافلين ) أي إلى ما تحت رتبة الجمادات المستقذرات، فصار يعمل الأعمال السيئات المقتضية بعد حسن الجمع لغاية الشتات، أما رده في خلقه فبأن سلطنا عليه الشهوات التي ركبناها في النفوس، وجعلناها داعية إلى كل بؤس، فغلبت على عقله فأعمته حتى أوردته الموارد، وأوقعته في المهاوي والمعاطب، حتى أنه ليركب كثير من أموره وهو قاطع بأنه باطل شنيع، لا