صفحة رقم ٤٧٦
عمل وإنكاراً من كذبك :( يكذبك ) أي أيّ شيء ينسبك إلى الكذب يا أشرف الخلق وأكملهم نفساً وأتقاهم عرضاً وأطهرهم خلقاً وخلقاً، وعبر ب ( ما ) إشارة إلى أن الكذب بهذا مع هذا الدليل القطعي الذي تضمنته هذه السورة في عداد ما لا يعقل بل دونه ) بعد ) أي بعد مشاهدة بغي بعض الناس على بعض استعمالاً لحال النكس، وأعراه من الجار إشارة إلى أن من آمن قبل الغرغرة واتصل إيمانه ذلك بموته كان ممن له أجر غير ممنون ) بالدين ) أي الجزاء لكل أحد بما يستحقه على سبيل العدل والإنصاف لأجل تلك الأعمال التي غلبت فيها الحظوظ على العقول، فوقع بها من الظلم والأذى ما لا يسع عاقلاً من العباد أن يحسن عنده ترك فاعلها من غير جزاء حتى كان أكثر أفعال العباد ظلماً، ومنشأن الملوك الإنصاف بين عبيدهم ورعاياهم، فكيف بالله سبحانه وتعالى الذي شرع لعباده ذلك، وقد ثبت بما له من هذا الخلق العظيم، على هذا النظام المحكم والمنهاج الأقوم أنه الحكيم، الذي لا حكيم غيره، العليم الذي لا عليم سواه.
ولما صح أن تارك الظالم بغير انتقام والمحسن بلا إكرام ليس على منهاج العدل الذي شرعه الله تعالى، حسن جداً تكرير الإنكار بقوله سبحانه وتعالى :( أليس الله ) أي على ما له من صفات الكمال، وأكده بالجار في قوله :( بأحكم الحاكمين ) أي حتى يدع الخلق يهلك بعضهم بعضاً من غير جزاء، فيكون خلقهم عبثاً، بل هو أحكم الحاكمين علماً وقدرة وعدلاً وحكمة بما شوهد من إبداعه الخلق ومفاوتته بينهم، وجعل الإنسان من بينهم على أحسن تقويم، فلا بد أن يقيم الجواء ويضع الموازين القسط ليوم القيامة فيظهر عدله وحكمته، ومقسماً عليه من حيث إن الخلق في أحسن تقويم يقتضي العدل لا محالة، والرد أسفل سافلين يتقاضى الحكم حتماً لأجل ما يقع من الظلم والتشاجر بين من استمر على الفطرة القويمة ومن رد لأسفل سافلين، وقد اشتملت هذه السورة على وجازتها على جميع مقاصد التوراة إجمالاً، وزادت الدلالة على الآخرة، وذلك أن قسمها هو قوله في التوراة ( أتانا ربنا من سيناء وشرق بنا من جبل ساعر، وظهر لنا من جبال فاران ) والخلق في أحسن تقويم هو خلق آدم عليه الصلاة والسلام المذكور في أولها وخلق زوجه وما يحتاجان إليه من السماء والأرض، وخلق الأصفياء من أولادهما وما جاؤوا به من الخير، والذين آمنوا وعملوا الصالحات وهو ما فيها من الشرائع والأحكام، وقوله بعد ما تقدم من المعبر بالقسم عنه ( معه ربوات الأطهار عن يمينه أعطاهم وحببهم إلى شعوب، وبارك على جميع أطهاره ) والرد أسفل سافلين هو