صفحة رقم ٤٧٩
أطواره الحسنة والقبيحة تعجيباً من تمام قدرته سبحانه وتعالى على تعرفها وإنعام فيها، وقدم الفعل العامل في الجار والمجرور هنا لأنه أوقع في النفس لكونها أول ما نزل فكان الأمر بالقراءة أهم :( اقرأ ( وحذف مفعوله إشارة إلى انه لا قراءة إلا بما أمره به، وهي الجمع الأعظم، فالمعنى : أوجد القراءة لما لا مقروء غيره، وهو القرآن الجامع لكل خير، وأفصح له بأنه لا يقدر على ذلك إلا مبعونة الله الذي أدبه فأحسن تأديبه، ورباه فأحسن تربيته، فقال ما أرشد المعنى إلى أن تقديره : حال كونك مفتتحاً القراءة ) باسم ربك ) أي بأن تبسمل، أو مستعيناً بالمحسن إليك لما له من الأسماء الحسنى والصفات العلى بما خصط به في ) ألم نشرح ( أو بذكر اسمه، والمراد على هذا بالاسم الصفات العلى، وعبر به لأنه يلزم من حسن الاسم حسن مدلوله، ومن تعظيم الاسم تعظيم المسمى وجميع ما يتصف به وينسب إليه، قالوا : وهذا يدل على أن القراءة لا تكون تامة غلا بالتسمية، ولكونه في سياق الأمر بالطاعة الداعي إليها تذكر النعيم لم يذكر الاسم الأعظم الجامع، وذكر صفة الإحسان بالتربية الجامع لما عداه وتأنيساً له ( ﷺ ) لكونه أول ما نزل حين حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بنفسه يتعبد بربه في غار حراء، وفجاءه جبرائيل عليه الصلاة والسلام بخمس آيات من أول هذه السورة إلى قوله ( ما لم يعلم ) ولهذا السر ساقه مساق البسملة بعبارة هي أكثر تأنيساً في أول الأمر وأبسط منها، فأشار إلى الاسم الأعظم بما في مجموع الكلام من صفات الكمال، وأشار إلى عموم منة الرحمن بصفة الخلق المشار إلى تعميمها بحذف المفعول، وإلى خصوص صفة الرحيم بالأكرمية التي من شأنها بلوغ النهاية، وذلك لا يكون بدون إفاضة خصوص صفة الرحيم بالأكرمية التي من شأنها بلوغ النهاية، وذلك لا يكون بدون إفاضة العمل بما يرضي، فيكون سبباً للكرامة الدائمة، وبالتعليم الذي من شأنه أن يهدي إلى الرضوان، وأشار إلى الاستعاذة بالأمر بالقرآن لما أفهمه قوله سبحانه وتعالى :
٧٧ ( ) وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة ( ) ٧
- أي الشياطين الإنس والجن
٧٧ ( ) حجاباً مستوراً ( ) ٧
[ الإسراء : ٤٥ ] وقوله تعالى :
٧٧ ( ) فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ( ) ٧
[ النحل : ٩٨ ].
ولما خصه تشريفاً بإضافة هذا الوصف الشريف إليه، وصفه على جهة العموم بالخلق والأمر إعلاماً بأن له التدبير والتأثير، وبدأ بالخلق لأنه محسوس بالعين، فهو أعلق بالفهم، وأقرب إلى التصور، وأدل على الوجود وعظيم القدرة وكمال الحكمة، فكانت البداءة به في هذه السورة التي هي أول ما نزل أنسب الأمور لأن أول الواجبات معرفة الله، وهي بالنظر إلى أفعاله في غاية الوضوح فقال :( الذي خلق ( وحذف مفعوله إشارة إلى أنه له هذا الوصف وهو التقدير والإيجاد على وفق التقدير الآن وفيما مفعوله إشارة إلى أنه له هذا الوصف وهو التقدير والإيجاد على وفق التقديره الآن وفيما كان وفيما يكون، فكل شيء يدخل في الوجود فهو من صنعه ومتردد بين إذنه ومنعه