صفحة رقم ٤٨٣
معرفاً بعد التعريف بالإلهيات بأمر النفس مبيناً لقسم الإنسان المردود أسفل سافلين مقرراً لحاله، ورادعاً له عن ضلاله :( كلا ) أي ارتدع أيها العالم عن الطغيان إن نلت الغنى حقاً ) إن الإنسان ) أي هذا النوع الذي هو نوعك ومن شأنه الأنس بنفسه والنظر في عطفه ) ليطغى ) أي من شأنه - إلا من عصمه الله سبحانه - أن يزيد على الحد الذي لا ينبغي له مجاوزته كما يزيد الخلط الدموي، وأكده لما لأكثر الخلق من التكذيب به فإنه لا طاغي يقر بأنه طغى ) أن ) أي لأجل أن ) رآه ) أي علم الإنسان نفسه علماً وجدانياً ) استغنى ) أي وجد له الغنى، هذا هو الطبع الغالب في الإنسان متى استغنى عن شيء عمي عن مواضع افتقاره، فتغيرت أحواله معه، وتجاوز فيه ما ينبغي له الوقوف عنده ( ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ) ومن كان مفتقراً إلى شيء كان منطاعاً له كما في حديث آخر أهل النار خروجاً منها يقسم لربه أنه لا يسأل غير ما طلبه، فإذا أعطيته واستغنى به سأل غيره حتى يدخل دار القرار، ولعله نبه بهذا على أن هذه الأمة المحتاجة ستفتح لها خزائن الأرض فيطغيها الغنى كما أطغى من قبلها وإن كانوا هم ينكرون ذلك كما قال ( ﷺ ) حين بشرهم بالفتوحات وقال :( إنه يغدى على أحدكم بصفحة ويراح عليه بأخرى ثم قال لهم : أنتم اليوم خير من يومئذ، فقالوا : بل يومئذ، نتفرغ لعبادة ربنا، فقال : بل أنتم اليوم خير منكم يومئذ، قال ( ﷺ ) : والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخسى أن يبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم ) أو كما قال ( ﷺ ).
ولما كان لا دواء لذلك مثل تذكر الجزاء، قال معرفاً أن الإنسان لا يزال مفتقراً إلى مولاه في حايته ومماته وغناه وفقره، محذراً له سوء حالاته مؤكداً لأجل إنكارهم ذلك :( إن إلى ربك ) أي المحسن إليك بالرسالة التي رفع بها ذكرك، لا إلى غيره من التراب ونحوه ) الرجعى ) أي الرجوع الأعظم الثابت الذي لا محيد عنه، أما في الدنيا فلا محيد عن الإقرار به، فإنه لا يقدر أحد على شيء إلا بتقديره، وأما في الآخر فبما أثبت في برهانه في سورة التين، فيحاسب الناس بأعمالهم، ويجازي كل أحد بما يستحق من ثواب أو عقاب، ففيه وعيد للطاغي وتحقير - لغنى ينقطع.
ولما أخبر بطغيانه وعجل بذكر دوائه لأن المبادرة بالدواء لئلا يتحكم الداء واجبة،


الصفحة التالية
Icon