صفحة رقم ٤٨٥
الباطن بالنور الناشئة عن الهدى، وعمارة الظاهرة لذلك، المترشحة من عمارة الباطن، الموجب لذلك، فأمر هذا المصلي بملازمة خدمة سيده المجمع على سيادته، ولا شك في توحيده بالربوبية بالإقبال على ما يرضيه من أفعال العبادة، ليكون ذلك وقاية لفاعل من سخطه فيأمن الهلاك، والجواب محذوف تقديره : ألم يكن خيراص له فليتدبر كل أمر من أموره فلا يقدم عليه حتى يعلم بالدليل أنه هدى وتقوى.
ولما كان التقدير حتماً كما هدى إليه السياق ما قدرته من جواب السؤالين، بنى عليه قوله زيادة في التوبيخ والتعجيب والتقريع استفهاماً عن حال لهذا الناهي مناف للحال الأول معيداً الفعل إيضاحاً لذلك :( أرءيت ) أي أخبرني أيها السامع ولا تستعجل ) إن كذب ) أي أوقع هذا الناهي التكذيب بأن المصلي على الهدى بخدمة سيده المتفق على سيادته، فكان بذلك مرتكباً للضلال الذي لا شك في كونه ضلالاً، ولا يدعو إليه إلا الهدى.
ولما كان المكذب قد لا يترك من كذبه، أشار إلى أن حال هذا على غير ذلك فقال :( وتولى ) أي وكلف فطرته الأولى بعد معالجتها الإعراض عن قبول الأمر بالتقوى، وذلك التولي إخراب الباطن بالأخلاق السيئة الناشئة عن التكذيب وإخراب الظاهر بالأعمال القبيحة الناشئة عن التكذيب، والجواب محذوف تقديره : ألم يكن ذلك التولي والتكذيب شراً له لأن التكذيب والتولي من غير دليل شر محض، فكيف إذا كان الدليل قائماً على ضدهما.
ولما عجب من حالته البعيدة عن العقل مع نفسه ومع نفسه ومع أبناء جنسه، أنكر عليه معجباً من كونه يعلم أنه ليس بيده شيء، المنتج لأنه مراقب وحاله مضبوط غاية الضبط وينسى ذلك، فقال ذاكراً مفعول ( أرءيت ) الثاني وهو لا يكون إلا جملة استفهامية :( ألم يعلم ) أي يقع له عمل يوماً من الأيام ) بأن الله ) أي وهو الملك الأعلى ) يرى ) أي له صفتا البصر والعلم على الإطلاق، فهو يعلم كل معلوم ويبصر كل مبصر، ومن كان له ذلك كان جديراً بأن يهلك من يراه على الضلال والإضلال وينصر من يطيع أمره على كل من يعاديه، وإنما جاء هذا الاستفهام الإنكاري على هذا الوجه لأنهم يعترفون بكل ما أنكر عليهم فيه ويلزمهم بما يفعلون من عداوة النبي ( ﷺ ) أن يكونوا منكرين له، وذلك هو عين التناقض الذي لا أشنع عندهم منه، هذا ويمكن، وهو أحسن، أن تنزل الآية على الاحتباك فيقال : لما كان السؤال عن حال الناهي لأن الرؤية علميه لا بصرية، فتشوف السامع إلى معرفتها، وكان للناهي حالان : طاعة ومعصية، بدأ بالأولى لشرفها على الأسلوب الماضي في التقرير على سبيل التعجيب فقال :( أرءيت ) أي أخبرني ( إن


الصفحة التالية
Icon