صفحة رقم ٤٨٩
الذات فقال ( وأعوذ بك منك ) فراراً منه إليه من غير رؤية فعل وصفة، ولكنه رأى نفسه فاراً منه إليه ومستعيذاً ومثنياً ففني عن مشاهدة نفسه إذا رأى ذلك نقصاناً فاقترب فقال ( أنت كما أثنيت على نفسك لا أحصي ثناء عليك ) فقوله :( لا أحصي ) خبر عن - فناء نفسه وخروجه عن مشاهدتها، وقوله :( أنت كما أثنيت ) بيان أنه المثني والمثنى عليه، وأن الكلم منه بدأ وإليه يعود، وأن كل شيء هالك إلا وجهه، فكان أول مقامه نهاية مقامات الموحدين وهو أن لا يرى إلا الله وأفعاله فيستعيذ بفعل من فعل، فانظر إلى ماذا انتهت نهايته إذا انتهى إلى الواحد الحق حتى ارتفع من نظره ومشاهدته سوى الذات الحق، ولقد كان ( ﷺ ) لا يرقى من مرتبة إلى أخرى إلا ويرى الأولى بعداً بالإضافة إلى الثانية، فكان يستغفر الله من الله من الأولى، ويرى ذلك نقصاً في سلوكه وتقصيراً في مقامه، وإليه الإشارة بقوله ( ﷺ ) :( إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة ) فكان ذلك لترقيه إلى سبيعن مقاماً بعضها يعد نقصاً لنقص أوائلها وإن كان مجاوزاً أقصى غايات مقامات الخلق، ولكن كان نقصاناً بالإضافة إلى أواخرها، فكان استغفاره لذلك.
ولما قالت عائشة رضي الله عنها : قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فما هذا البكاء في السجود وما هذا الجهد الشديد ؟ قال :( أفلا أكون عبداً شكوراً ) معناه : أفلا أكون طالباً للمزيد في المقامات، فإن الشكر سبب الزيادة حيث قال تعالى
٧٧ ( ) ولئن شكرتم لأزيدنكم ( ) ٧
[ إبراهيم : ٧ ] انتهى.
وهو على ما ترى من النفاسة فمن أكثر من الدعاء في سجوده فقمن أن يستجاب له، والصلاة لا تكون إلا بالقراءة فإذا فعلت ذلك احتجبت عن الأغيار بحجاب منيع، فازددت صفاء وصنت حالك عن الغير - كما يرشد إليه ما في صحف إبراهيم عليه الصلاة والسلام ( ينبغي للعاقل أن يكون حافظاً للسانه عارفاً بزمانه مقبلاً على شأنه - والله أعلم ) فقد رجع لآخرها إلى الأول، على أحسن وجه وأجمل وأكمل - والله الهادي.
...


الصفحة التالية
Icon