صفحة رقم ٥٠١
ولما ذكر الأعداء وبدأ بهم، لأن السياق لذم من جمد من المألوف وترك المعروف، أتبعه الأولياء فقال مؤكداً لما للكفار من الإنكار :( إن الذين آمنوا ) أي أقروا بالإيمان من الخلق كلهم الملائكة وغيرهم ) وعملوا ) أي تصديقاً لإيمانهم ) الصالحات ) أي هذا النوع، ولما كان نعيم القلب أعظم، قدمه على نعيم البدن إبلاغاً في مدحهم فقال :( أولئك ) أي العالو الدرجات ) هم ) أي خاصة ) خير البرية (.
ولما خصصهم بالخيرية، ذكر ثوابهم، فقال ذاكراً جنة أبدانهم معظماً لهم بالتعبير عن إنعامه عليهم بلفظ الجزاء المؤذين بأنه مقابلة ما وصفوا به :( جزاؤهم ) أي على طاعاتهم، وعظمه بقوله :( عند ربهم ( إليهم المربي لهم وأي المحسن ) جنات عدن ) أي إقامة لا تحول عنها ) تجري ) أي جرياً دائماً لا انقطاع له.
ولما كان عموم الماء مانعاً من تمام اللذة، قرب وبعض بقوله :( من تحتها ) أي تحت أرضها وغرفها وأشجارها ) الأنهار (.
ولما كانت اللذة لا تكمل إلا بالدوام قال :( خالدين فيها ( ولما كان النظر إلى الترغيب في هذا السياق أتم حثاً على اتباع الدليل المعروف، والمفارقة للحال المألوف، أكد معنى الخلود تعظيماً لجزائهم بقوله :( أبداً (.
ولما كان هذا كله ثمرة الرضا، وكان التصريح به أقر للعينه لأنه جنة الروح، قال مستأنفاً أو معللاً :( رضي الله ) أي لما له مننعوت الجلال والجمال ) عنهم ) أي بما كان سبق لهم من العناية والتوفيق.
ولما كان الرضا إذا كان من الجانبين، كان أتم وأعلى لهم قال :( ورضوا عنه ( لأنهم لم يبق لهم أمنية إلا أعطوهموها مع علمهم أنه متفضل في جميع ذلك، لا يجب عليه لأحد شيء ولا يقدر أحد حق قدره، فلو أخذ الخلق بما يستحقونه أهلكهم، وأعظم نعمه عليهم ما منّ عليهم به من متابعتهم رسول الله ( ﷺ )، فإن ذلك كان سبباً لكل خير.
ولما كان ذلك ربما ادعى أنه لناس مخصوصين في زمان مخصوص، قال معمماً له ومنبهاً على الوصف الذي كان سبب أعمالهم التي كانت سبب جزائهم :( ذلك ) أي الأمر العالي الذي جوزوا به ) لمن خشي ربه ) أي خاف المحسن إليه خوفاً يليق به، فلم يركن إلى التسويف والتكاسل، ولم يطبع نفسه بالشر بالجري مع الهوى في التطعم بالمحرامات بل كان ممن يطلب معالي الأخلاق فيستفتي قلبه فيما يرضي ربه، فكان تواتر إحسانه يزيده خوفاً فيزيده شكراً، فإن الخشية ملاك الأمر، والباعث على كل خير،