صفحة رقم ٥٠٥
الشرح، وذلك كما تقول : أكرم التقي إكرامة وأهن الفاسق الشقي إهانة، أي على حسب ما يليق به.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : وردت عقب سورة البرية ليبين بها حصول جزاء الفريقين ومآل الصنفين المذكورين في قوله :( إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ( - إلى قوله :( أولئك شر البرية ( وقوله :( إن الذين آمنوا ( - إلى آخر السورة.
ولما كان حاصل ذلك افتراقهم على صنفين ولم يقع تعريف بتباين أحوالهم، أعقب ذلك بمآل الصنفين واستيفاء جزاء الفريقين المجمل ذكرهم فقال تعالى :( يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم ( إلى آخر السورة - انتهى.
ولما كان الاضطراب العظيم يكشف عن الخفي في المضطرب قال :( وأخرجت ( وأظهر ولم يضمر تحقيقاً للعموم فقال :( الأرض ) أي كلها ) أثقالها ) أي مما هو مدفون فيها كاأموات والكنوز التي كان أمرها ثقيلاً على الناس، وهو جمع ثقل بالكسر، وذلك حين يكون البعث والقيام متأثراً ذلك الإخراج عن ذلك الزلزال، كما يتأثر عن زلزال البساط بالنفض إخراج ما في بطنه وطيه وغضونه من وسخ وتراب وغيره، وما كان على ظهرها فهو ثقل لعيها لأنها يعطيها الله قوة إخراج ذلك كله كما كان يعطيها قوة أن تخرج النبت الصغير اللطيف الطري الذي هو أنعم من الحرير فيشق الأرض الصلبة التي تكل عنها المعاول والحديد، ويشق النواة مع ما لها من الصلابة التي تستعصي بها على الحديد فينفلق نصفين وينبت منها منا يريده سبحانه وتعالى، ويفلق قشر الجوز واللوز ونوى الخوخ وغيره ما هو في غاية الصلابة كما نشاهده، ويخرج منه الشجرة بشق الأرض على ضعفه ولينه وصلابتها وبكونه على ظهرها حتى يصير أغلظ شيء واشده، وكذا الحب سواء، فالذي قدر على ذلك هو سبحانه وتعالى قادر على تكوين الموتى في بطن الأرض وإعادتهم على ما كانوا عليه كما يكون الجنين في البطن ويشق جميع منافذه على التحذير من السمع والبصر والفم وغير ذلك من غير أن يدخل إلى هناك بيكار ولا منشار، ثم يخرج من البطن، فكذا إخراج الموتى من غير فرق، كل عليه هين - سبحانه ما أعظم شأنه وأعز سلطانه.
ولما كان الإنسان إذا رأى هذا عجب له ولم يدرك سببه لأنه أمر عظيم فظيع يبهر عقله ويضيق عنه ذرعه، عبر عنه بقوله :( وقال الإنسان ) أي هذا النوع الصادق بالقليل والكثير لما له من النسيان لما تأكد عنده من أمر البعث بما له من الأنس بنفسه والنظر في عطفه، على سبيل التعجب والدهش أو الحيرة، ويجوز أن يكون القائل الكافر كما يقول :
٧٧ ( ) من بعثنا من مرقدنا ( ) ٧
[ يس : ٥٢ ] فيقول له المؤمن :
٧٧ ( ) هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ( ) ٧
[ يس : ٥٢ ] ) ما لها ) أي أيّ شيء للأرض في هذا الأمر الذي لم يعهد مثله.