صفحة رقم ٥٠٧
شراً ) أي من جهة الشر ) يره ( فما فوقه، فالمؤمن يراه ويعلم أنه قد غفر له ليشتد فرحه، والكافر يراه فيشتد حزنه وترحه، والذرة النملة الصغيرة أو الهباءة التي ترى طائرة في الشعاع الداخل من الكوة، وقد رجع آخرها على أولها بتحديث الأخبار وإظهار الأسرار، وقد ورد في حديث الأعرابي أن هذه السورة جامعة لهذه الآية الأخيرة، وقال ابن مسعود رضي الله عنه : إنها أحكم آية في القرآن، وكان رسول الله عليه ( ﷺ ) يسميها الفاذة الجامعة، ومن فقه ذلك لم يحقر ذنباً وإن دق لأنه يجتمع إلى أمثاله فيصير كبيراً كما قال ( ﷺ ) لعائشة رضي الله عنها :( إياك ومحقرات الذنوب، فإن لها من الله طالباً ) وروي كما ذكرته في كتابي ( مصاعد النظر في الإشراف على مقاصد السور ) في حديث ( إنها تعدل نصف القرآن ) وفي حديث آخر أنها تعدل ربع القرآن، ولا تعارض، فالأول نظر إليها من جهة أن الأحكام تنقسم إلى أحكام الدنيا وأحكام الآخرة، وهذه السورة اشتملت على أحكام الآخرة إجمالاً، وزادت على القارعة بإخراج الأثقال وأن كل أحد يرى كل ما عمل، والثاني نظر إليه باعتبار ما تضمنه الحديث الذي رواه الترمذي عن علي رضي الله عنه أن النبي ( ﷺ ) قال :( لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع : يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله بعثني بالحق، ويؤمن بالموت، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر ) فاقتضى هذا الحديث أن الإيمان بالبعث الذي قررته هذه السورة ربع الإيمان الكامل الذي دل عليه القرآن، وأيضاً فأمر الدين أربع أجزاء : أمر المعبود، وأمر العبيد، وأمر العبادة على وجه الخصوص والخفاء وإن اكنت على وجه التمام والوفاء، وسورة النصر ربع لأنها لأمر العبادة على وجه العموم والجلاء والظهور والعلاء - والله الهادي للصواب وإليه المآب.
...