صفحة رقم ٥٢٣
الإشارة إلى قصور نظر الإنسان وحصر إدراكه في العاجل دون الآجل الذي فيه فوزه وفلاحه، وذلك لبعده عن العلم بموجب الطبع
٧٧ ( ) إنه كان ظلوماً جهولاً ( ) ٧
[ الأحزاب : ٧٢ ] أخبر سبحانه أن ذلك شأن الإنسان بما هو إنسان فقال ) والعصر إن الإنسان لفي خسر ( فالقصور شأنه، والظلم طبعه، والجهل جبلته، فيحق أن يلهيه التكاثر، ولا يدخل الله عليه روح الإيمان ) إلا الذين آمنوا وعملو الصالحات ( إلى آخرها، فهؤلاء الذين
٧٧ ( ) لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ( ) ٧
[ النور : ٣٧ ] انتهى.
ولما كان الحكم على الجنس حكماً على الكل لأنهم ليس لهم من ذواتهم إلا ذلك، وكان فيهم من خلصه الله سبحانه وتعالى مما طبع عليه الإنسان بجعله في أحسن تقويم، وحفظه عن الميل مع ما فيه من النقائص، استثناهم سبحانه وتعالى لأنهم قليل جداً بالنسبة غلى أهل الخسر فقال دالاًّ بالاستثناء على أن النفوس داعية إلى الشر مخلدة إلى البطالة واللهو، فالمخلص واحد من ألف كما في الحديث الصحيح ) إلا الذين آمنوا ) أي أوجدوا الإيمان وهو التصديق بما علم بالضرورة مجيء النبي ( ﷺ ) به من توحيده سبحانه وتعالى والتصديق بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ولعل حكمة التعبير بالماضي الحث على الدخول في الدين ولو على أدنى الدرجات، والبشارة لمن فعل بشرطه بالنجاة من الخسر.
ولما كان الإنسان حيواناً ناطقاً، وكان كمال حيوانيته في القوة العملية للحركة بالإرادة لا بمقتضى الشهوة القاسرة البهيمية قال تعالى :( وعملوا ) أي تصديقاً بما أقروا به من الإيمان ) الصالحات ) أي هذا الجنس، وهو اتبع الأوامر واجتناب النواهي في العبادات كالصلاة والعادات كالبيع فكانوا بهذا مسلمين بعد أن كانوا مؤمنين فاشتروا الآخرة بالدنيا فلم يلههم التكاثر، ففازوا بالحياة الأبجية والسعادة السرمدية فلم يلقهم شيء من الخسر.
ولما كان الإنسان بعد كماله في نفسه بالأعمال لا ينتفي عنه مطلق الخسر - إلا بتكميل غيره، وحينئذ يكون وارثاً لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعثوا للتكميل، وكان الدين لا يقوم، وإذا قام لا يتم إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الناشئ عن نور القلب، ولا يتأتى ذلك إلا بالجتماع، قال مخصصاً لما دخل في الأعمال الصالحة تنبيهاً على عظمه :( وتواصوا ) أي أوصى بعضهم بعضاً بلسان الحال أو المقال :( بالحق ) أي الأمر الثابت، وهو كل ما حكم الشرع بصحته فلا يصح بوجه نفيه من قول أو عمل أو اعتقاد أو غيره من فعل أو ترك، فكانوا محسنين، والتكميل في القوة العملية باجتلاب الخيور.
ولما كان الإنسان ميالاً إلى النقصان، فكان فاعل ذلك الإحسان معرضاً للشنآن من