صفحة رقم ٥٢٦
واعتماده على ما جمعه من المال ظناً أنه يخلده وينجيه، وهذا كله هو عين النقص، الذي هو شأن الإنسان، وهو المذكور في السورة قبل، فقال تعالى ) ويل لكل همزة لمزة ( فافتتحت السورة بذكر ما أعد له من العذاب جزاء له على همزه ولمزه الذي أتم حسده، والهمزة العياب الطعان واللمزة مثله، ثم ذكر تعالى ماله ومستقرة بقوله :( لينبذن في الحطمة ) أي ليطرحن في النار جزاء له على غتراره وطعنه - انتهى.
ولما كان الذي يفعل النقيصة من غير حاجة تحوجه إليها أقبح حالاً وكان المتمول عندهم هو الرابح، وهم يتفاخرون بالربح ويعدون الفائز به من ذوي المعالي، قال مقيداً ل ( كل ) بالوصف مبيناً لاخاسر كل الخسارة :( الذي جمع ( ولما كان مطلق الجمع يدل على الكثرة جاء التشديد في فعله لأبي جعفر وابن عامر وحمزة والكسائي، وخلت تصريحاً بما علم تلويحاً ودلالة على أن المقصود به من جعل الدنيا أكبر همه، والتخفيف لمن عداهم اكتفاء بأصل مدلوله بخلاف عدد، فإن مجرده يكون لما قل، ولهذا أجمعوا على التضعيف فيه :( مالاً ) أي عظيماً، وأكد مراد الكثرة بقوله :( وعدده ) أي جعله بحيث إذا أريد عدده طال الزمان فيه وكثر التعداد، أو ادخره وأمسكه إعداداً لما ينوبه في هذه الدنيا المنقضية، وزاده قيداً آخر في بيان حاله فقال :( يحسب ( لقلة عقله ) أن ماله ) أي ذلك الذي عدده ) أخلده ) أي أوصله إلى رتبة الخلد في الدنيا، فأحب ذلك المال كما يحب الخلود، ويجوز أن يكون ذلك كناية عن أنه عمل - بانهماكه في المعاصي والإعراض عن الله عز وجل والإقبال على التوسع في الشهوات والأعراض الزائلات - عمل من يظن أنه لا يموت، ويجوز أن يكون استئنافاً، وفيه تعريض بأنه لا يفيد الخلد إلا الأعمال الصالحة المسعدة في الدار الآخرة.
ولما كان هذا الحسبان لشدة وهيه وبيان ضعفه لا يحتاج إلى إقامة دليل على فساده، اكتفى فيه بأداة الردع الجامعة لكل زجر فقال :( كلا ) أي لا يكون ما حسبه لأنه لا يكون له ما لا يكون لغيره من أمثاله بل يموت كما مات كل حي مخلوق.
ولما كان كأنه قيل : فما الذي يفعل به بعد الموت ؟ قال مقسماً دالاًّ باللام الداخلة على الفعل على القسم :( لينبذن ) أي ليطرحن بعد موته طرح ما هو خفيف هين جداً على كل طارح كما دل عليه التعبير بالنبذ وبالبناء للمفعول ) في الحطمة ) أي الطبقة من النار التي من شأنها أن تحطم أي تكسر وتشهم بشدة وعنف كل ما طرح فيها فيكون أخسر الخاسرين، وعبر بها في مقابلة الاستعداد بالمال الحامل على الاستهانة بالخلق، قال الأستاد أبو الحسن الحرالي : فلمعنى ما يختص بالحكم يسمى تعالى باسم من أسمائها من نحو جهنم فيما يكون مواجهة ومن نحو الحطمة فيما يكون جزاء لقوة قهر