صفحة رقم ٥٣
ولما كان النبي ( ﷺ ) أعظم من أريد بأمر الأمة بالتأدب معه فكان تعمد الإخلال بالأدب معه كفراً، علم أن هذه النار لأولئك فعلم أن التقدير : يقولون :( يا أيها الذين كفروا ) أي بالإخلال بالأدب في النبي ( ﷺ ) فأداهم ذلك إلى الإخلال بالأدب مع الله وبالأدب مع سائر خلقه ) لا تعتذروا ) أي تبالغوا في إظهار العذر وهو إيساع الحيلة في وجه يزيل ما ظهر من التقصير ) اليوم ( فإنه يوم الجزاء لا يوم الاعتذار، وقد فات زمان الاعتذار، وصار الأمر إلى ما صار، وإذا نهى عن المبالغة في الاعتذار لعدم نفعها كان النهي عن مطلقه من باب الأولى، وهذا قطع لرجائهم وإيجاب لبساهم ليعظم همهم وتنقطع قلوبهم لأن معناه أن الاعتذار لا ينفعكم وإن بالغتم فيه، ولذلك اتسأنف قوله على سبيل الحصر :( إنما تجزون ) أي في هذا اليوم ) ما كنتم ) أي بما هو لكم كالجبلة والطبع ) تعلمون ) أي على سبيل الإصرار ولا بعد على الله في أن يصور لكل إنسان صورة عمله بحيث لا يشك أنها عمله، ثم يجعل تلك الصورة عذابه الذي يج فيه من الألم ما علم سبحانه أنه بمقدار استحقاقه.
التحريم :( ٨ - ٩ ) يا أيها الذين.....
) يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُواْ إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَآ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( ( )
ولما أفهم الأمر بالوقاية والمدح للملائكة أن المأمورين بالوقاية مقصرون قال مرشداً إلى داوء التقصير :( يا أيها الذين آمنوا ( ناداهم بما هو أليق بهم من أداة البعد ) توبوا ) أي ارجعوا رجوعاً تاماً ) إلى الله ) أي الملك الذي لا كفوء له.
ولما كان كل فعول بمعنى فاعل يستوي فيه المذكر والمؤنث قال :( توبة نصوحاً ) أي بالغة في كونها ناصحة عن الإسناد المجازي أي منصوحاً فيها بالإخلاص في الأزمان الثلاثة، الماضي بالندم، والحال بالإقلاع.
والمستقبل بالعزم على عدم العود إلى الذنب، فلا يقع فيها رجوع كما لا يعود الحليب إلى الضرع، فلا يؤذي أحد رسول الله ( ﷺ )، فإن أذى رسوله من أذاه، قال القرطبي : النصوح مجمعها أربعة أشياء : الاستغفار باللسان، والإقلاع بالأبدان، وغضمار ترك العود بالجنان، ومهاجرة سيئ الإخوان، وقال رويم الراعي : هي أن تكون لله وجهاً بلا قفا كما كانت له عند المعصية قفاء بلا وجه.