صفحة رقم ٥٣٩
الهجرة، وفيها كانت عمرة الحديبية وهي الفتح السببي الخفي، وإلى ذلك أشار ( ﷺ ) بقوله في بروك ناقته الشريفة حين بركت فقالت الصحابة رضي الله تعالى عنهم : خلأت القصوى - أي حرنت :( ما خلأت ولكن حبسها حابس الفيل ) وفيها نزلت سورة الفتح، فكان سبب الأمن العظيم والغنى، وعقبها في سنتها كان البعث إلى ملوك الأمصار، وفتح خيبر وانبساط ذكر الإسلام في جميع الأقطار، وكذا كان عقبها قبل عمرة القشية إسلام عمرو بن العاص على يد النجاشي لما سأله أن يعطيه عمرو بن أميه الضمري رضي الله عنه ليقتله، وذلك حين أرسله النبي ( ﷺ ) إلى النجاشي رضي الله عنهما يدعوه إلى الإسلام فأنكر النجاشي ذلك على ابن العاص وشهد للنبي ( ﷺ ) بالرسالة وأمره بأن يؤمن به، ففعل فكان ملك الحبشة بدعاء النبي ( ﷺ ) ناجياً هادياً، وإلى النبي ( ﷺ ) داعياً، عكس ما كان لملك الحبشة بمولده ( ﷺ ) من أنه كان هالكاً، وإلى الجحيم هاوياً، وإن حسبت من سنة بنيان الكعبة في الخامسة والعشرين من مولده ( ﷺ ) كانت السنة التاسعة والخمسون هي الحادية والثلاثون بعد الهجرة، وهي سنة استئصال ملك الفرس بقتل آخر ملوكهم يزدجرد، والفرس هم الذين أزالوا الحبشة عن بلاد اليمن وطهورا هذا المولد الشريف الذي حرست الكعبة بمولده ( ﷺ ) وحصل الأمن والعز ببركته تبنى الكعبة وتجدد بعد بضع وعشرين سنة من مولده، قالوا : كان بنيانها ونسه خمس سنة من حين الولادة، وبه حين البنيان ألف الله بين قريش بعد أن كانوا تنافروا أشد المنافرة وتعاقدوا على الحرب في أمر الحجر الأسود من يضعه في موضعه الله بينهم به ( ﷺ ) فوضعه بيده الشريفة في ثوب، وأمرهم فأمسكت جميع القبائل بأطرافه، ثم رفعوه حتى وازوا به موضعه فأخذه هو ( ﷺ ) فوضعه في مكانه، فكان الشرف له خاصة في الإصلاح والبنيان، وتشير مع ذلك إلى أنه يبقى في النبوة ثلاثاً وعشرين سنة، ثم يتوفاه الله سبحانه وتعالى بعد أن جعل الله كيد جميع الكفرة في تضليل من عباد الأوثان والفرس والروم وغيرهم بما فتح الله عليه من جزيرة العرب التي ألف الله بها من كلمتهم حتى انسابوا على غيرهم فما وافقهم أحد ناوشه القتال وساوموه النضال والنزال، ولعل الإشارة بكون قريش سبع عشرة كلمة إلى أنه ( ﷺ ) بعد سبع عشرة سنة من بنيان البيت يبعه الله سبحانه وتعالى لأمر قريش بالعبادة التي أجلّها الصلاة التي أعظمها الفرائض


الصفحة التالية
Icon