صفحة رقم ٥٤٣
ولما كان المراد بهذا الجنس، وكان من المكذبين من يخفي تكذيبه، عرفهم بأمارات تنشأ من عمود الكفر الذي صدر به ويتفرع منه تفضحهم، وتدل عليهم وإن اجتهدوا في الإخفاء وتوضحهم، فقال مسبباً عن التكذيب ما هو دال عليه :( فذلك ) أي البغيض البعيد من كل خير ) الذي يدع ) أي يدفع دفعاً عنيفاً بغاية القسوة ) اليتيم ( ويظلمه ولا يحث على إكرامه لأن الله تعالى نزع الرحمة من قلبه، ولا ينزعها إلا من شقي لأنه لا حامل على الإحسان إليه إلا الخوف نم الله سبحانه وتعالى، فكان التكذيب بجزائه سبباً للغلظة عليه.
ولما كانت رحمة الضعفاء علامة على الخير، ولذلك قال النبي ( ﷺ ) ( اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين ) كانت القسوة عليهم علامة على الشر، وكان من بخل باللين في قاله أشد بخلاً بالبذل من ماله، قال معرفاً لأن المكذب ينزله تكذيبه إلى أسفل الدركات، وأسوإ الصفات الحامل على شر الحركات :( ولا يحض ) أي يحث نفسه وأهله ولا غيرهم حثاً عظيماً يحمى فيبعث على المراد ) على طعام المسكين ) أي بذله له وإطعامه إياه بل يمقته ولا يكرمه ولا يرحمه، وتعبيره عن الإطعام - الذي هو المقصود - بالطعام الذي هو الأصل وإضافته المسكين للدلالة على أنه يشارك الغني في ماله بقدر ما فرض الله من كفايته، وقد تضمن هذا أن علامة التكذيب بالبعث - إيذاء الضعيف والتهاون بالمعروف، والآية من الاحتباك : الدع في الأول يدل على المقت في الثاني : والحض في الثاني يدل على مثله في الأول.
ولما كان هذا حاله مع خلائق، أتبعه حاله مع الخالق إعلاماً بأن كلاًّ منهما دالّ على خراب القلب وموجب لمقت الرب، وأعظم الإهانة والكرب، وأن المعاصي شؤم مهلك، تنفيراً عنها وتحذيراً منها، فسبب عنه قوله معبراً بأعظم ما يدل على الإهانة :( فويل ( ولما كان الأصل : له - بالإضمار والإفراد، وكان المراد ب ( الذي ) الجنس الصالح للواحد وما فوقه.
وكان من يستهين بالضعيف لضعفه يعرض عما لا يراه ولا يحسه لغيبته، وكان من أضاع الصلاة كان لما سواها أضيع، وكان من باشرها ربما ظن النجاة ولو كانت مباشرته لها على وجه الرياء أو غيره من الأمور المحيطة للعمل، عبر بالوصف تعميماً وتعليقاً للحكم به وشقه من الصلاة تحذيراً من الغرور، وإشارة إلى أن الذي أثمر له تلك الخساسة هو ما تقدم من الجري مع الطبع الرديء، وأتى بصيغة الجميع تنبيهاً على أن الكثرة ليست لها عنده عزة لأن إهانة الجمع مستلزم لإهانة الأفراد