صفحة رقم ٥٦٠
سائق القدرة، فتقرب منها شيئاً فشيئاً، كانت كأنها آتية إليها، فلذلك حصل التجوز بالمجيء عن الحصول فقال :( جاء ) أي استقر وثبت في المستقبل بمجيء وقته المضروب له الأزل، وزاد في تعظيمه بالإضافة ثم بكونها اسم الذات فقال :( نصر الله ) أي الملك الأعظم الذي لا مثل له ولا أمر لأحد معه على جميع الناس في كل أمر يريده.
ولما كان للنصر درجات، وكان قد أشار سبحانه بمطلق الإضافة إليه ثم بكونها إلى الاسم الأعظم إلى أن المراد أعلاها، صرح به فقال :( والفتح ) أي المطلق الصالح لكل فتح الذي نزلت فيه سورته بالحديبية مبشرة له بغلبة حزبه الذين أنت قائدهم وهاديهم ومرشدهم، لا سيما على مكة التي بها بيته ومنها ظهر دينه، وبها كان أصله، وفيها استقر عموده، وعز جنوده، فذل بذلك جميع العرب، وقالوا : لا طاقة لنا بمن أظفره الله بأهل الحرم، فعزوا بهذا الذل حتى كان ببعضهم تمام هذا الفتح، ويكون بهم كلهم فتح جميع البلاد، وللإشارة إلى الغلبة على جميع الأمم ساقه تعالى في أسلوب الشرط، ولتحققها عبر عنه ب ) إذا ( إعلاماً بأنه لايخلف الوعد ولا ينقص ما قدره وإن توهمت العقول أنه فات وقته، وإيذاناً بأن القلوب بيده يقلبها كيف يشاء ليحصل لمن علم ذلك الإخلاص والخوف والرجاء، فأشعرت العبارة بأن الوقت قد قرب، فكان المعنى : فكن مترقباً لوروده ومستعداً لشكره.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما كمل دينه واتضحت شريعته واستقر أمره ( ﷺ ) وأدى أمانة رسالته حق أدائها عرف عليه صلى الله عليه الصلاة والسلام نفاد عمره وانقضاء أجله، وجعلت له على ذلك علامة دخول الناس في دين الله جماعات بعد التوقف والتثبط
٧٧ ( ) حكمة بالغة فما تغني النذر ( ) ٧
[ القمر : ٥ ]
٧٧ ( ) لو شاء الله لجمعهم على الهدى ( ) ٧
[ الأنعام : ٣٥ ] وأمر بالإكثار من الاستغفار المشروع في أعقاب المجالس وفي أطراف النهار وخواتم المآخذ مما عسى أن يتخلل من لغو أو فتور، فشرع سبحانه وتعالى الاستغفار ليحرز لعباده من حفظ أحوالهم ورعي أوقاتهم ما يفي بعليّ أجورهم كما وعدهم
٧٧ ( ) وتمت كلمات ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته ( ) ٧
[ الأنعام : ١١٥ ] وقد بسطت ما أشارت إليه هذه السورة العظيمة - وكل كلام ربنا عظيم - فيما قيدته في غيره هذا، وأن أبا بكر رضي الله عنه عرف منها أن رسول الله ( ﷺ ) نعيت إليه نفسه الكريمة على ربه وعرف بدنو أجله، وقد أشار إلى هذا الغرض أيضاً بأبعد من الواقع في هذه السورة قوله تعالى :
٧٧ ( ) اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ( ) ٧
[ المائدة : ٣ ] وسورة براءة وأفعاله عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع