صفحة رقم ٥٦٢
سبحانه وتعالى عليه من أنه أراه تمام ما أرسل لأجله، ولأن كل حسنة يعملها أتباعه له مثلها.
ولما أمره ( ﷺ ) بتنزيهه عن كل نقص، ووصفه تنزلاً عن غير الغيب إلى الغيب بكل كمال مضافاً إلى الرب تدلياً إلى مشاهدة الأفعال، وصل إلى نهاية التنزل من الخالق إلى المخلوق مخاطباً لأعلى الخلائق كلها فأمره بما يفهم العجز عن الوفاء بحقه لما له من العظمة المشار إليه بذكره مرتين بالاسم الأعظم الذي له من الدلائل على العظم والعلو إلى محل الغيب الذي لا مطمع في دركه ما تنقطع الأعناق دونه ليفهم عجز غيره من باب الأولى، فقال معلماً بأن من كماله أن يأخذ بالذنب إن شاء ويغفر إن شاء وإن عظم الذنب، ليحث ليحث ذلك على المبادرة إلى التوبة وتكثير الحسنات وحسن الرجاء :( واستغفره ) أي اطلب غفرانه إنه كان غفاراً إيذاناً بأنه لا يقدر أحد أن يقدره حق قدره كما أشار إلى ذلك الاستغفار عقب الصلاة التي هي أعظم العبادات لتقتدي بك أمتك في المواظبة على الأمان الثاني لهم، فإن الأمان الأول - الذي هو وجودك بين أظهرهم قد دنا رجوعه إلى معدنه في الرفيق الأعلى والمحل الأقدس الأولى، وكذا فعل ( ﷺ ) - كان يقول :( سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) ودخل يوم الفتح مكة مطأطئاً رأسه حتى إنه ليكاد يمس واسطة الرحل تواضعاً لله سبحانه وتعالى إعلاماً لأصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين أن ما وقع إنما هو بحول الله، لا بكثرة مع معه من الجمع، وإنما جعلهم سبباً لطفاً منه بهم، ولذلك نبه نم ظن منهم أو هجس في خاطره أن للجمع مدخلاً بما وقع من الهزيمة في حنين أولاً، وما وقع بعد من النصرة بمن ثبت مع النبي ( ﷺ ) وهم لا يبلغون ثلاثين نفساً ثانياً، فالتسبيح الذي هو تنزيه عن النقص إشارة إلى إكماله الدين تحقيقاً لما كان تقدم به وعده الشريف.
والاستغفار إشارة إلى أن عبادته ( ﷺ ) التي هي أعظم العبادات قد شارفت الانقضاء، ولا يكون ذلك إلا بالموت، فلذلك أمر بالاستغفار لأنه يكون في خاتمة المجالس والأعمال جبراً لما لعله وقع فيها على نوع من الوهن واعترافاً بذل العبودية والعجز.
ولما أمر بذلك فأرشد السياق إلى أن التقدير : وتب إليه، علله مؤكداً لأجل استبعاد من يستبعد مضمون ذلك من رجوع الناس في الردة ومن غيره بقوله :( إنه ) أي المحسن إليك غاية الإحسان بخلافته لك في أمتك، ويجوز أن يكون التأكيد لأجل دلالة ما تقدم من ذكر الجلالة مرتين على غاية العظمة والفوت عن الإدراك بالاحتجاب بإرادته الكبرياء والعز والتجبر والقهر مع أن المألوف أن من كان على شيء من ذلك كان بحيث