صفحة رقم ٥٧١
ينقطع حينئذ، وتقول : طحنت بالرحى بتاً - إذا ابتدأ الإدارة عن يسارك، كأنه دال على القطع بتمام العزيمة لأن ذلك أقوى للطاحن وأمكن، وانبت الرجل : انقطع ماء ظهره، ويقال : هذا حبل بتّ : إذا كان طاقاً واحداً، كأنه لما كان كذلك فكان سهل القطع أطلق عليه القطع مبالغة مثل عدل، وقد انبت فلان عن فلان - إذا انقطع وانقبض.
ولما أوقع سبحانه الإخبار بهلاكه على هذا الوجه المؤكد لما كان لصاحب القصة وغيره نم الكفار من التكذيب بلسان حاله وقاله لما له من المال والولد، وما هو فيه من القوة بالعَدد والعُدد، زاد الأمر تحققاً إعلاماً بأن الأحوال الدنيوية لا غناء لها فقال مخبراً، أو مستفهماً منكراً ) ما أغنى ) أي أجزى وناب وسد ) عنه ) أي عن أبي لهب الشقي الطريد المبعود عن الرحمة مع العذاب ) ماله ) أي الكثير الذي جرت العادة بأنه ينجي من الهلاك.
ولما كان الكسب أعم من المال، وكان المال قد تكسب منافع هي أعظم منه من الجاه وغيره، وكان الإنسان قد يكون فائزاً ولا مال له بأمور أثلها بسعيه خارجة عن المال، وقال مفيداً لذلك مبيناً أنه لا ينفع إلا ما أمر الله به ) وما كسب ) أي وإن كان ذلك على وجه هائل من الولد والأصحاب والعز بعشيرته التي كان يرضيها باتباع النبي ( ﷺ ) في المحافل يؤذيه ويكذبه وينهى الناس عن تصديقه مع أنه كان قبل ذلك يناديه بالصادق الأمين، وكان ابنه عتبة شديد الأذى للنبي ( ﷺ ) حتى قال النبي ( ﷺ ) ( اللهم سلط عيله كلباً من كلابك ) فكان أبو لهب يعرف أن هذه الدعوة لا بد أن تدركه، فلما حان الأمر وكان قد آن ما أراد صاحب العز الشامخ، سبب له أن سافر إلى الشام فأوصى به أبوه الرفاق لينجوه رغم من هذه الدعوة، فكانوا يحدقون به إذا نام ليكون وسطهم والحمول محيطة به وهم محيطون بها والركاب محيطة بهم، فلم ينفعه ذلك بل جاء الأسد فتشمم الناس حتى وصل إليه فاقتلع رأسه ولم ينفع أباه ذلك، بل استمر على ضلاله لما سبق في علم الله تعالى حتى كانت وقعة بدر فلم يخرج فيها فلما جاء الفلال كان منهم ابن أخيه أبو سفيان بن الحارث فقال : هلم يا ابن أخي فعندك الخبر : فقال نعم فوالله ما هو إلا أن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يفتلوننا كيف شاؤوا ويأسروننا كيف شاؤوا، ومع ذلك والله مللت الناس لقينا رجالاً بيضاً على خيل بلق بين السماء والأرض ما تليق شيئاً - أي ما تبقيه - ولا يقوم لها شيء، قال أبو رافع غلام العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وكان جالساً في حجرة في المسجد يبري نبلاً، وكان الإسلام قد


الصفحة التالية
Icon