صفحة رقم ٥٩
الله وهي في حبالة عدوه، وأسقط وصفه بالعبودية دليلاً على تحقيره وعدم رحمته لأنه أعدى أعدائه، وأشار إلى وجه الشبه في المثل وهو التحيز إلى حزب الله بقدر الوسع فقال :( إذ ) أي مثلهم مثلها حين ) قالت ( تصديقاً بالعبث منادية نداء الخواص بإسقاط الأدة لأجل أنها مؤمنة وإن كانت تحت كافر بنا فلم تضر صحبته شيئاً لأجل إيمانها :( رب ) أي أيها المحسن إليّ بالهداية وأنا في حبالة هذا الكافر الجبال ولم تغرني بعز الدنيا وسعتها ) ابن لي (.
ولما كان الجار مطلوباً - كما قالوا - قبل الدار، طلبت خير جار وقدمت الظرف اهتماماً به لنصه على المجاورة ولدلالته على الزلفى فقالت :( عندك بيتاً ( وعينت مرادها بالعندية فقالت :( في الجنة ( لأنها دار المقربين فظهر من أول كلامها وآخره أن مطلوبها أخص داره، وقد أجابها سبحانه بأن جعلها زوجة لخاتم رسوله الذي هو خير خلقه وأقربهم منه، فكانت معه في منزله الذي هو أعلى المنازل.
ولما سألت ما حيّزها إلى جناب الله سألت ما يباعدها في الدارين من أعدائه فقالت :( ونجني ) أي تنجية عظيمة ) من فرعون ) أي فلا أكون عنده ولا تسلطه عليّ بما يضرني عندك ) وعمله ) أي أن أعمل بشيء منه ) ونجني ( أعادت العامل تأكيداً ) من القوم الظالمين ) أي الناس الأقوياء العريقين في أن يضعوا أعمالهم في غير مواضعها التي أمروا بوضعها فيها فعل من يمشي في الظلام عامة، وهم القبط، لا تخالطني بأحد منهم، فاستجاب الله تعالى دعاءها وأحسن إليها لأجل محتبها للمحبوب وهو موسى عليه الصلاة والسلام كما يقال : صديق صديقي داخل في صداقتي، وذلك أرها الله بيتها في الجنة ولم يضرها كونها تحت فرعون شيئاً لأنها كانت معذورة في ذلك، فالآية من الاحتباك : حذف أولاً ( فلم تسألا الجنة ) لدلالة ( رب ابن لي ) ثانياً عليه، وحذف ثانياً ( كانت تحت كافر ) لدلالة الأول عليه.
ولما أتم المثل بمن أساءتا الأدب فلم تنفعهما الوصلة بالأولياء بل زادتهما ضرراً للإعراض عن الخير مع قربه وتيسره، وبمن أحسنت الأجب فلم تضرها الوصلة بأعدى الأعداء بل زادتها خيراً لإحسانها مع قيام المغتر بها عن الإحسان ضرب مثلاً بقرينتها في


الصفحة التالية
Icon