صفحة رقم ٥٩٢
شيء من الولادة، لأن وجوب وجوده لذاته، فانتفى أن يساويه شيء في قوة وجوده، فانتفى قطعاً أن يساويه أحد في شيء من قوة أفعاله، فعطف هاتين الجملتين على الجملة التي قبلها لأن الثلاث شرح الصمدية النافية لأقسم الأمثال، فهي كالجملة الواحدة، وقدم الظرف في الثالثة لأن المقصود الأعظم نفي المكافأة عن الذات الأعظم، فكان أهم ( وكفواً ) حال من أحد.
ويجوز أن يكون ( كان ) ناقصة ويكون ( كفواً ) خبرها، وسوغ خبريته تخصيصه ب ( له ) كما قالوا في ( إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله ) وقد وصح أن هذه السورة أعظم مبين للذات الأقسد بترتيب لا يتصور في العقل أن يكون شيء يساويه، ولكما لا تقع في الوهم أن يكون شيء يساويها أو يساوي شيئاً منها، فأثبت أولاً حقيقته المحضة وهويته بأنه هو، لا اسم لتلك الحقيقة من حيث هي إلا ذلك، فعلم أنه واجب الوجود لذاته لا لشيء آخر أصلاً، ثم عقب ذلك بياناً له بذكر الإلهية التي هي اقرب اللوازم لتلك الحقيقة وأشدها تعريفاً.
ولما اقتضت الإلهية الوحدة لأنها عبارة عن الاستغناء المطلق واحتياج الغير إليه الاحتياج المطلق، دل عليها بالأحد، ودل على تحقيق معنى الإلهية والواحدة معاً بالصمدية لما لها من المعنيين : وجوب الوجود بعدم الجوف وجوداً أو تقديراً والسيادة المفيضة لكل وجود على كل موجود وجوداً لا يشبه وجوده سبحانه :
( وأين الثريا من يد المتناول ) ( الأمر أعظم من مقالة قائل )
وبين المعنيين كليهما بعدم صحة التوليد منه وله وعدم المساوي، فمن أول السورة إلى آخر الأسماء في بيان حقيقته سبحانه وتعالى ولوازمها الأقرب فالأقرب ووحدتها بكل اعتبار، ومن ثم إلى آخرها في بيان أن لا مساوي له لأنه لا جنس له ولا نوع حتى يكون هو متولداً عن شيء أو يكون متولداً عنه شيء، أو يكون شيء موازياً له في الوجود، وبهذا القدر حصل تمام معرفة ذاته، وأنه لا يساويه شيء في قوة وجوده فلا يساويه في تمام أفعاله بدلالة شاهد الوجود الذي كشف عنه والشهود بنصر نبيه ( ﷺ ) الذي كان يدعو أبا لهب وجميع الكافرين الشانئين وحده وهم ملء الأرض ويخبرهم مع تحاملهم كلهم عليه أنهم مغلبون، وأنه اتاهم بالذبح لأن لمن أرسله الإحاطة الكاملة بجميع الكمال، وقد كان الأمر كما قال ( ﷺ )، فقد صدقت مقالاته، فثبتت إلى الخلق كافة رسالاته، وثبت مضمون جميع السورة بما ثبت من هذه الأدلة المشهورة، والبراهين القاطعة المنصورة، وقد ثبت أنه صمد بما دل على أحد معنييه الذي هو انتفاء الجوفية بعدم التولد، وعلى المعنى الآخر الذي هو بلوغ المنتهى من السيادة بعدم المكافئ فبان أنه هو لذاته فلا إله غيره، فانطبق آخرها على أولها، والتحم أيّ التحام مفصلها


الصفحة التالية
Icon