صفحة رقم ٥٩٤
والفصل المقسم، ودل على الثاني بعدم المكافئ، ودل على هذا العدم بأفعاله العظيمة المشاهدة التي أشار قطعاص ترتيب السور بما انتهى إليه وضع هذه السورة في هذا الموضع إلى استحضارها.
وتأمل ما كان منها من تربية هذا الدين بنصر نبيه الذي أرسله ( ﷺ ) لإقامته، وسلط الكافرين - على أذاه، وجعل أعظمهم له أذى أقربهم إليه نسباً عمه أبا لهب الذي كان يتبعه في تلك المشاهد والقبائل، ويلزمه في تلك المواسم والمعاهد والمحافل، يصرح بتكذيبه كلما دعى الناس إلى الحق، ويواجه بما هو أشد الأشياء على النفس كراهة وأشق، فكانت تلك الشهرة عين الرفة والنصرة، لأن الشيء، إذا خرج عن حده انقلب غلى ضده، فإنه إذا تناهت شهرته ثم بان بطلانه أو صحته رجعت شهرته بكونه باطلاً أو صحيحاً أعظم منها لو لم يتقدمها شهرة بغير ذلك، فانقلبت النصرة، وعظمت الكثرة، فجلت المعاونة، وزالت المباينة، وحصل الوفاق، وزال الشقاق، فدل هذا الفعل الأعظم من صدق الرسول ( ﷺ ) وهو وحده، وكذب المعاندين وهم من لا يحصيهم إلا الله في كل ما قال، وجميع ما قالوا على عزته سبحانه وتعالى بكونه نصر عبده على ذلك الوجه الخارق للعادة وعلى حكمته بما سلطهم به عليه حتى أسرعت الشهرة وعمت النصرة، فعلم بتلك المشاهدة أنه العزيز الحكيم كما دلت عليه سورة التوحيد المناظرة لهذه في رد المقطع على المطلع، وهي آل عمران المناظرة لهذه في الدلالة على التوحيد والمحاججة لمن ادعى ان له صاحبة وولد، فعلم قطعاً أنه لا كفوء له، فعلم أنه لا يصح أصلاص أن يلد ولا أن يولد، فبطلت قطعاً دعوى إلهية عيسى عليه الصلاة والسلام وغيره ممن ادعى فيه الولدية بالأحدية لما تقتضيه الولادة من المادة المقتضية للكثرة، الموجبة للحاجة، وعظم البيان بما دل عليه الاسم الأعظم من الإجماع بما تقتضي الإلهية، ولا إجماع على غيره، وجل الأمر وانقطع النزاع بما دل عليه الضمير من وجوب الوجود النافي لما سواه من كل موجود - والله الهادي، فلقد أبانت السورة على أعظم الوجوه أن مرسله ( ﷺ ) أجل موجود وأشرف حقيقة وأنفس معلوم، وأعظمذات، وذلك يستلزم نفي كل ما لا ينبغي، وحصول كل ما ينبغي استلزاماً لا يقبل الانفكاك، كالفردية في الوتر، والزوجية في الشفع، وتفصيل ذلك بعشرة أشياء تبسط على كلمات السورة على الترتيب : الأول أنه تعالى له الوجود الذي ما مثله فليس هو كالممكنات المسبوقة بالعدم والمنقطعة بالانعدام، والمنصرمة في الدوام، بل هو أزلي لا أول له أبدي لا آخر له، قيوم لا انصرام له، الثاني أن له السبوحية الآبية على نفع كل نقص وعيب، الثالث أن له القدوسية المشتملة على الاتصاف بكل كمال، من جلال وجمال وتعال، الرابع أن له العظمة والجلالة عن أن