صفحة رقم ٦
عنها الأخلاق إن كان منكم بإبداعه لصفاتكم كما أبدع لذواتكم ) كافر ) أي عريق في صفة الكفر مهلك نفسه بما هيأه لاكتسابه ويسره له بعد ما خلقه في أحسن تقويم على الفطرة الأولى، وفي الحديث أن الغلام الذي قتله الخضر عليه السلام طبع كافراً فمعنى أن فطرته الأولى خلقت مهيأة للكفر، والعامة تضاف إلى الله تعالى فيقال : أوجه القدرة على الحركة والسكون وخلق الحركة والسكون، والافعال الخاصة متعلق الأمر والنهي ) ومنكم مؤمن ) أي راسخ في الإيمان في حكم الله تعالى في الأزل منج نفسه بالأعمال الصالحة التي طابق بها العلم الأزلي، فهو سبحانه خلق الكافر وخلق كفره فعلاً له، والمؤمني وإيمانه فعلاً له، لأنه خلق القدرة والاختيار وغيب أمر العاقبة، فكل منهما يكتب باختياره بتقدير الله، ولا يوجد من كل منهما إلا ما قدره عليه وأراده منه لأن وجود غير المقدور عجز، وخلاف المراد المعلوم جهل، وقد علم من هذه القسمة علماً قطعياً أن أحد القسمين مبطل ضال مخالف لأمر الملك الذي ثبت ملكه، ومن المعلوم قطعاً من ظالمه، ومن الشماهد أن بعضهم يموت على كفرانه من غير نقص يلحقه، وبعضهم على إيمانه كذلك، فعلم أن هذه الدار ليست دار الفصل، وأن الدار المعدة له إنما هي بعد الموت والبعث، وهذا مما هو مركوز في الطبائع لا يجهله أحد، ولكن الخلق أعرضوا عنه بما هم فيه من القواطع، فصار مما لا يخطر بإنكارهم، فصار بحيث لا تستقل به عقولهم، ولكنهم إذا ذكروا به وأوضحت هلم هذه الواطع التي أشار سبحانه غليها وجدوا النفس عن الحظوظ والمرور مع الألف عدوه كلهم من الضروريات، وعلم ن تسبيبه تقسيمهم هذا عن تقديره وجوب الإيمان بالقدر خيره وشره.
ولما كان التقدير : فالذي أبدعكم وحملكم على ذلك وفاوت بينكم على كل شيء قدير، عطف عليه قوله تعالى :( والله ) أي الذي له الإحاطة الكاملة بفعله ذلك، وقدم الجار لا للتخصيص بل إشارة إلى مزيد الأعتناء كما تقول لمن سألك : هل تعرف كذا، وظهر منه التوقف في علمك له : نعم أعرفه ولا أعرف غيره، فقال :( بما تعملون ) أي توقعون عمله كسباً ) بصير ) أي بالغ العلم بذلك، فهو الذي خلق جميع أعمالكم التي نسب كسبها إليكم، وهو خالق جميع الاستعدادات والصفات كما خلق الذوات خلافاً للقدرية لأنه لا يتصور أن يخلق الخالق ما لا يعلمه، ولو سئل الإنسان كم مشى في يومه من خطوة لم يدر، فيكف لو سئل أين موشع مشيه ومتى زمانه فكيف وإنه


الصفحة التالية
Icon