صفحة رقم ٦٢١
فكادوا أن يطبقوا على الانعكاس، وصوبّوا طريق الإلحاد، وبالغوا في الرفع من أهل الاتحاد، ولجوا بالخصام في العناد، وأفتوا بمحض الباطل، وبثوا السم القاتل، إلا ناساً قليلاً كان الله بنصرهم على ضعفهم كفيلاً، فسألتهم سؤالاً، جعلهم ضلالاً جهالاً، فتداولوه فيما بينهم وتناقلوه وعجزوا عن جوابه بعد أن راموه أشد الروم، وحاولوه فظهر لاكثر الناس حالهم، واشتهر بينهم ضلالهم، وغيهم الواضح ومحالهم، وصنفت في ذلك عدة مصنفات، بانت فيها مخازيهم وظهرت المخبآت، منها ( صواب الجواب للسائل المرتاب ) ومنها ( القارض لتكفير ابن الفارض ) ومنها ( تدمير المعارض في تكفير ابن الفارض ) ومنها ( تنيه الغبي على تكفير ابن عربي ) ومنها ( تحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد ) أنفقت فيها عمراً مديداً، وبددوا فيها أوقاتي - بددهم الله تبديداً، وهدد أركانهم وأعضادهم تهديداً، وقرعتهم بالعجز عن الجواب، الكاشف للارتياب، صباحاً ومساءً، وإعادة وإبداء، فحملهم التقريع، والتوبيخ والتبخيع، على كتابه جواب، لم يخل من ارتجاج واضطراب، وشك وارتياب، بينت أن جامعه أخطأ في جميعه الصواب، وكفر في أربعة مواضع كفراً صريحاً، وكذب في ثمانية فصار بذلك جريحاً، بل هالكاً طريحاً، فأطلت بذلك التقريع، والتوبيخ والتبشيع، فذلت أعناقهم، وضعف شقاقهم، وخفي نفاقهم، غير أنه حصل في كل واحدة من هذه الوقائع، من الشرور وعجائب المقدور، ما غطى ظلامه الشموس الطوالع.
وطال الأمر في ذلك سنين، وعم الكرب حتى كثر الأنين، والتضرع في الدعاء والحنين، وثبّت الله ورزق الصبر والأناة حتى أكمل هذا الكتاب، على ماتراه من الحسن والصواب.
وقد قلت مادحاً للكتاب المذكور، بماابان عنه من عجائب المقدور، وغرائب الأمور، شارحاً لحالي، وحالهم وظفر آمالي، وخيبة آمالهم من مجزوء الرجز، وضربه مقطوع، والقافية متواتر مطلق مجرد، مسمياً له ب ( كتاب لمّا ) لأن جل مقصوده بيان ارتباط الجمل بعضها ببعض حتى أن كل جملة تكون آخذة بحجزة ما أمامها متصلة بها، وذلك هو المظهر المقصود من الكلام وسره ولبابه، الذي هو للكلام بمنزلة الروح وبيان معاني المفردات، وكل جملة على حيالها بمنزلة الجسد، فالوح هو المقصود الأعظم يدرك ذلك من يذوق ويفهم، ويسري ذهنه في ميادين التراكيب ويعلم، و ( لما ) طرف يراد بها ثبوت الثاني مما دخل عليه بثوبت الأول على غاية المكنة بمعنى أنها كالشروط تطلب جملتين يلزم لذلك الملزوم، فتم الكتاب في هذا النظم ب ( لما ) لأني أكثرت من استعمالها فيه لهذا الغرض :
هذا كتاب لما لم المعاني لما


الصفحة التالية
Icon