صفحة رقم ٦٥
فيشكره إذا أنعم، ويصبر إن امتحن وانتقم، ويخدمه بما أمر وينزجر عما هنه زجره، فهذه الآية مشتملة على وجود المقتضي للسعادة وانتفاء المانع منها ووجود المقتضي إعداد وإرشاد، فالإعداد إعانته سبحانه للعبد بإعداده لقبول السعادة كالحداد يلين الحديد بالنار ليقبل أن يكون سكيناً، والإرشاد أخذه بالناصية إلى ما أعد له كالضرب بالسكين وإصلاحها للقطع بها، وانتفاء المانع هو الموقف عن ذلك وهو دفع المشوشات والمفسدات كتثلم السكين وهو يجري السبب وسبب السبب، وهو ما اشتمل عليه قوله ( ﷺ ) ( اللهم أعني ولا تعن عليّ ) الحديث، فذكره لتمام القدرة والعزة مع ذكر الأحسن دال على توفيقه بما ذكرن ومن تأمل لآية عرف أنه ما خلق لا ليتميز جوهره من صدق غيره أو صدق غيره، وأن الدنيا مزروعة، وأن الآخرة محصدة، فيصير من نفسه على بصيرة، وثارت إرادته لما خلق له تارة بالنظر إلى جمال ربه من حسن وإحسان، وأخرى إلى جلاله من قدرة وإمكان، وتارة بالنظر لنفسه بالشفقة عليها من خزي الحرمان، فيجتهد في رضا ربه وصلاح نفسه خوفاً من عاقبة هذه البلوى.
ولما كان لا يغفل الابتلاء منا إلا جاهل بالعواقب وعاجز عن رد المسيء عن إساءته وجعله محسناً من أول نشأته، قال نافياً لذلك عن منيع جنابه بعد أن نفاه بلطيف تدبيره وعظيم أمره في خلق الموت والحياة، ومزيلاً بوصف العزة لما قد يقوله من يكون قوي الهمة : أنا لا أحتاج إلى تعب كبير في الوصول إليه سبحانه بل أصل إليه أي وقت شئت بأيسر سعي ) العزيز ) أي الذي يصعب الوصول إليه جداً، من العزاز وهو المكان الوعر والذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء، فلو أراد جعل الكل محسنين، ولا يكون كذلك إلا وهو تام القدرة فيلزم تمام العلم والوحدانية ووجوب الوجود أزلاً وأبداً.
ولما كان العزيز منا يهلك كل من خالفه غذا علم مخالفته، قال مبيناً إمهاله للعصاة مرغباً للمسيء في التوبة، بعد ترهيبه من الإصرار على الحوبة، لأنه قد يكون مزدرئاً لنفسه قائلاً : إن مثلي لا يصلح للخدمة لما لي من الذنوب القاطعة وأين التراب من رب الأرباب ) الغفور ) أي أنه مع ذلك يفعل في محو الذنوب عيناً وأثراً فعل المبالغ في ذلك ويتلقى من أقبل إليه أحسن تلق كما قال تعالى في الحديث القدسي ( ومن أتاني يمشي أتيته هرولة )