صفحة رقم ٦٩
ولما أخبر سبحانه وتعالى عن بديع هذا الخلق، ونبه على بعض دقائقه وأمر بالإبصار وتكريره، وكان السامع أول ما يصوب نظره إلى السماء لشرفها وغريب صنعها وبديع وضعها ومنيع رفعها، فكان بحيث يتوقع الإخبار عن هذه الزينة التي رصعت بها، قال في جواب من توقعه مؤكداً بالقسم إعلاماً بأنه ينبغي أن يبعد العاقل عن إنكار شيء مما ينسب غلى صاحب هذا الخلق من الكمال، عاطفاً على ما تقديره : لقد كفى هذا القدر في الدلالة على عظمة مبدع هذا الصنع وتمام قدرته :( ولقد ( واستجلب الشكر بجلب المسار فقال ناظراً إلى مقام العظمة صرفاً للعقول عما اقتضاه ( الرحمن ) من عموم الرحمة تذكيراً بما في الآية الماضية، وتنبيهاص على ما في الزينة بالنجوم من مزجها بالرجوم الذي هو عذاب ( الجن المتمردين الطاغين ) :( زينا ( دلالة أخرى تدل على العظمة بعد تلك الدلالة الأولى ) السماء الدنيا ) أي أدنى السماوات إلى الأرض وهي التي تشهد وأنتم دائماً تشاهدونها وهي سقف الدار التي اجتمعتم فيها في هذه الحياة الدنيا ) بمصابيح ) أي نجوم متقدة عظيمة جداً، كثرتها تفوت الحصر، ظاهرة سائرة مضيئة زاهرة.
وهي الكواكب التي تنور الأرض بالليل إنارة السرج التي تزينون بها سقوف دوركم، فتفيد شعبة من ضوء الصباح، والتزيين بها لا يمنع أن تكون مركوزة فيها فوقها من السماوات وهي تتراءى لنا بحسب الشفوف بما للاجرام السماوية من الصفاء، ولتلك المصابيح من شدة الإضاءة.
ولما أخبر - جلت قدرته - بعظيم قدرته فيها منبهاً على ما فيها من جلب المسار بتلك الأنوار والهداية في الدين والدنيا التي لولا هي لما انتفع أحد في ليل انتفاعاً تاماً، أخبر بما فيها مع الزينة من دفع المضار بعبارة عامة وإن كان المراد بالعض الأغلب فإن ما للرجوم منها غير ما للاهتداء والرسوم فقال :( وجعلناها ) أي النجوم من حيث هي بعظمتنا مع كونها زينة وأعلاماً للهداية ) رجوماً ( جمع رجم وهو مصدر واسم لما يرجم به ) للشياطين ( الذين يستحقون الطرد والبعد والحرق من الجن لما لهم من الاحتراق، وذلك بياناً لعظمتنا وحراسة للسماء الدنيا التي هي محل تنزل أمرنا بالقضاء والقدر، وإنزال هذا الذكر الحكيم لئلا يفسدوا باستراق السمع منها على الناس دينهم الحق، ويلبسوا عليهم أمرهم بخلط الحق الذي ختمنا به الأديان بالباطل، فيخرجوهم - لأنهم أعداؤهم - من النور إلى الظلمات كما كانوا في الجاهلية مع ما فيها بما خلق سبحانه في أمزجتها من ترطيب وتجفيف وحر وبرد واعتدال ينشأ عنه الفصول الأربعة وقهرها به من شروق وغروب وحركة وسكون يعرف بها ما إليه المآل، مما أخبرت به الرسل من الزوال، مع ما يدل من الليل والنهار والعشي والإبكار وأشياء يكل عنها الصوف في ذواتها وعن إحصاء منافعها حتى لو عدم شيء مما في السماوات مما دبره الحكيم