صفحة رقم ٧٢
ولما ذكر سبحانه حالها، أتبعه حالهم في تعذيب القلب باعتقادهم أنهم ظلمة على وجه، بين السبب في عذابهم زجراً عنه فقال :( كلما ( ولما كان المنكىئ مجرد الإلقاء بني للمفعول دلالة على ذلك وعلى حقارتهم بسهولة إلقائهم قوله :( إلقي فيها ) أي جهنم بدفع الزبانية بهم الذين هم أغيظ عليهم من النار ) فوج ) أي جماعة هم في غاية الإسراع موجفين مضطربي الأجواف من شدة السوق ) سألهم ) أي ذلك الفوج ) خزنتها ) أي النار سؤال توبيخ وتقريع وإرجاف.
ولما كان كأنه قيل : ما كان سؤالهم ؟ قال : قالوا موبخين لهم مبكتين محتجين عليهم في استحقاقهم العذاب زيادة في عذابهم بتعذيب أرواحهم بعد تعذيب أشاحهم :( ألم يأتكم ) أي في الدنيا ) نذير ) أي يخوفكم هذا العقار ويذكركم بما حل بكم وبما حل ممن قبلكم من المثلاث، لتكذيبهم بالآيات، ويقرأ عليكم الكتب المنزلات ) قالوا بلى ( ولما طابق هذا الجواب فتوقع السامع إيضاحه.
افصحوا بما أفهمه وشرحوه تأسفاً على أنفسهم مما حل بهم وتحسراً فقالوا :( قد جاءنا ( وأظهروا موضع الإضمار تأكيداً وتنصيصاً فقالوا :( نذير ) أي مخوف بليغ التحذير ) فكذبنا ) أي فتسبب عن مجيئه أننا أوقعنا التكذيب بكل ما قاله النذير ) وقلنا ) أي زيادة في التكذيب والنكاية له والعناد الذي حل شؤمه بنا :( ما نزل الله ) أي الذي له الكمال كله عليكم ولا على غيركم، ولعل التعبير بالتفعيل إشارة إلى إنكارهم الفعل بالاختيار الملازم للتدريج - تعالى الله عن ذلك علواً كبيارً، وأرقنا في النفي فقلنا :( من شيء ( لا وحياً ولا غيره، وما كفانا هذا الفجور حتى قلنا مؤكدين :( إن ) أي ما.
ولما كان تكذيبهم برسول واحد تكذيباً لجميع الرسل قالوا عناداً :( أنتم ) أي أيها النذر المذكورون في ( نذير ) المراد به الجنس، وفي خطاب الجمع إشارة إيضاً إلى أن جواب الكل للكل كان متحداً مع افتراقهم في الزمان حتى كأنهم كانوا على ميعاد ) إلا في ضلال ) أي بعد عن الطريق وخطأ وعمى محيط بكم ) كبير ( فبالغنا في التكذيب والسفه بالاستجهال والاستخفاف.
ولما حكى سبحانه ما قالوه للخزنة تحسراً على أنفسهم حكى ما قالوه بعد ذلك فيما بينهم زيادة في التحزن ومقتاً لأنفسهم بأنفسهم فقال تعالى :( وقالوا ) أي الكفرة في توبيخ أنفسهم :( لو كنا ) أي بما هو لنا كالغريزة.
ولما كان السمع أعظم مدارك العقل الذي هو مدار التكليف قالوا :( نسمع ) أي سماعاً ينفع بالقبول للحق والرد للباطل ) أو نعقل ) أي بما أدته إلينا حاسة السمع وغيرها عقلاً ينجي وإن لم يكن سمع، وإنما قصروا الفعلين إشارة إلى أن ما كان لهم