صفحة رقم ٧٥
الكبرياء وإزاره العظمة وتاجه الجلال وحلته الجمال، ولا ينازعه فيما يدبره من الشرائع، ويظهره من المعارف، ويحكم به على عبيده من قضائه وقدره.
ولما كانت الخشية مشيرة إلى الذنوب، فكان أهم ما إليهم الإراحة منها قال تعالى :( لهم مغفرة ) أي سترة عظيمة تأتي على جميع ذنوبهم.
ولما كان السرور إنما يتم بالإعطاء قال :( وأجر ) أي من فضل الله ) كبير ( يكون لهم به من الإكرام ما ينسيهم ما قاسوه في الدنيا من شدائد الآلام، وتصغر في جنبه لذائذ الدنيا العظام.
ولما كانت الخشية من الأفعال الباطنة، وكان كل أحد يدعي أنه يخشى الله، قال مخوفاً لهم بعلمه نادباً إلى مراقبته لئلا يغتروا بحمله، عاطفاً على ما تقديره لإيجاب المراقبة : فأبطنوا أفعالهم وأظهروها :( وأسروا ) أي أيها الخلائق.
ولما كان إفراد الجنس دالاً على قليله وكثيره قال :( قولكم ) أي خيراً كان أو شراً ) أو اجهروا به ( فإنه يعلمه ويجازيكم به لأن علمه لا يحتاج إلى سبب، وذلك أن المشركين كانوا يقولون : أسروا وإلا يسمع إله محمد : ثم علل ذلك مؤكداً لأجل ما للناس من استبعاد ذلك بقوله :( إنه ) أي ربكم ) عليم ) أي بالغ العلم ) بذات الصدور ) أي بحقيقتها وكنهها وحالها وجبلتها وما يحدث عنها سواء كانت قد تخيلته ولم تعبر عنه، أو كان مما لم تتخيله بعد بدليل ما يخبر به سبحانه وتعالى عنهم مما وقع وهم يخفونه، أو لم يقع بعد ثم يقع كما أخبر به سبحانه ؛ ثم دل على ذلك بقوله معجباً ممن يتوقف فيه أدنى توقف ومنكراً عليهم بإثبات العلم ونفى ضده على أبلغ وجه :( ألا يعلم ) أي وكل ما يمكن أن يعلم، وحذف المفعول للتعميم، ثم ذكر الفاعل واصفاً له بما يقرب المخبر به للإفهام فقال :( من خلق ) أي الذي أوجد الخلق من القلوب الحاوية للأسرار والأبدان وغير ذلك، وطبع في كل شيء من ذلك ما طبع مما قدره بعلمه وأتقنه بحمته، فإن كل صانع أدرى بما صنعه، ويجوز - وهو أحسن - أن يكون ( من ) مفعولاً والفاعل مستتراً، أي ألا يعلم الله مخلوقه على الإطلاق وله صفتا اللطف والخبر اللتان شأنهما إدراك البواطن إدراكاً لا يكون مثله لأن الغرض إثبات العلم لما أخفوه لظنهم أنهم إذا أسروا يخفى، لا إثبات مطلق العلم فإنهم لم ينكروه ) وهو ) أي والحال أنه هو ) اللطيف ) أي الذي يعلم ما بثه في القلوب لأنه يصل إلى الأشياء بأضدادها فكيف بغير ذلك ) الخبير ) أي بالغ العلم بالظواهر والبواطن فكيف يخفى عليه شيء من الأشياء، وهو أعظم تهديد يكون ؛ فإن من علم أن من يعصيه عالماً به وهو قادر عليه لا يعصيه أبداً.