صفحة رقم ٧٨
قدر على الإمطار والإنبات وغيرهما من التصرفات في الأرض فهو يقدر على غيره ) بكم الأرض ( كما خسف بقارون وغيره.
ولما كان الذي يخسف به من الأرض يصير كالساقط في الهواء وكان الساقط في الهواء يصير يضطرب، سبب عن ذلك قوله :( فإذا هي ) أي الأرض التي أنتم بها ) تمور ) أي تضرب وهي تهوي بكم وتجري هابطة في الهواء وتتكفأ إلى حيث شاء سبحانه، قال في القاموس : المور الاضطراب والجريان على وجه الأرض والتحرك.
ولما كانوا ربما استبعدوا السخفة، وكانوا يعهدون ما ينزل من السماء من الندى والأمطار والصواعق، عادل بذلك قوله :( أم أمنتم ) أي أيها المكذبون، وكرر لهم ذكر ما يخشونه زيادة في الترهيب فقال :( من في السماء ( على التقديرين ) أن يرسل عليكم ) أي من السماء ) حاصباً ) أي حجارة يحصبكم - أي يرميكم - بها مع ريح عاصف بقوتها كما وقع لقوم لوط وأصحاب الفيل.
ولما كان هذا الكلام إنذاراً عظيماً ووعظاً بليغاً شديداً، وكان حالهم عنده متردداً بين إقبال وإدبار، سبب عنه على تقدير إدبارهم بتماديهم بما للإنسان من النقصان قوله متوعداً بما يقطع القلوب، ولفت القول إلى مقام التكلم إيذاناً بتشديد الغضب :( فستعملون ) أي عن قريب بوعد لا خلف فيه في الدنيا ثم في الآخرة.
ولما كان العلم بكيفية الشيء أعظم من العلم بمطلق ذلك الشيء لأنه يلزم من العلم بها العلم بمطلق ذلك الشيء، وكان ما هو بحيث يسأل عنه لا يكون إلا عظيماً قال :( كيف نذير ) أي إنذاري البليغ إذا شاهدتم العذاب وهو بحيث لا يستطاع، ولا تتعلق الأطماع بكشف له ولا دفاع، وحذف الياء منه ومن ( نكير ) إشارة إلى أنه وإن كان خارجاً عن الطرق ليس منتهى مقدوره بل لديه مزيد، لا غاية له بوجه ولا تحديد.
ولما كان من المعلوم أن المأمور بإبلاغهم وإنذارهم هذا الإنذار ( ﷺ ) في غاية الرحمة لهم والشفقة عليهم فهو بحيث يشق عليه غاية الشمقة ما أفهمه هذا الكلام من إهلاكهم أن يصدقوا، ويحب التأني بهم، لفت سبحانه الخطاب إليه عاطفاً على ما تقديره : فلقد طال إمهالنا لهم وحلمنا عنهم وتعريفنا لهم بعظيم قدرتنا وهم لا يرجعون وكثر وعظنا لهم وتصريفنا القول بينهم على ألسنة رسلنا عليهم الصلاة والسلام وهم يتمادون ولا ينتهون، قوله مصوراً لهم ما توعدهم به في أمر محسوس لأن الأمور المشاهدات أروع للإنسان لما له من التقيد بالوهم مؤكداً للإشارة إلى أن التكذيب مع إقامة البراهين أمر يجب إنكاره فلا يكاد يصدق :( ولقد كذب ( وطغى وبغى وأعرض وتجبر وتمرد وولى بوجهه وقلبه ) الذين (.