صفحة رقم ٨٦
وتوقعون الطلب له طلباً شديداً تبلغون فيه غاية الجهد على وجه الاستعجال أن يستنزل بكم مكروهه فعل من لا يبالي به بوجه، وتكررون ذلك الطلب وتعودون إليه في كل وقت معرضين عن السعي في الخلاص فيه من عدوان العذاب ونيل الوعد الحسن بجزيل الثواب لبيان قوة طلبهم له وتداعيهم إليه استهزاء به حتى كأنهم لا مطلوب لهم غيره، قدم الجار المفيد غالباً للاختصاص فهو افتعال من دعا الشيء وبالشيء إذا طلبه، ودعاه الله بمكروه : أنزله به.
الملك :( ٢٨ - ٣٠ ) قل أرأيتم إن.....
) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ ( ( )
ولما كان من المعلوم أن من نهى آخر عن هواه وبالغ في ذلك أبغضه ذلك الناهي وتمنى هلاكه، فكيف إذا والى عليه الإنذار والتخويف بما لا يصل إلى دركه عقله ولا يرى له مقدمة بحققها، وكان الكفار يسعون في هلاك النبي ( ﷺ ) ومن تبعه كل سعي، وكان هلاك النذير إنما ينفع المنذر على تقدير نجاته من هول ما كان يحذره منه النذير، أمره سبحانه أن يذكرهم بهذا لنينظروا في ذلك المتوعد به، فإن كان ممكناً سعوا في الخلاص مما قد يكون منه من العذاب، وسلكوا في الهرب منه مسلكاً سهلاً بعيداً من سوء الانقلاب، ودخلوا إلى فسيح المانع منه من أوسع باب، أو كفوا عن السعي في هلاك النذير وطووا ما مدوا له من الأسباب، ليدلهم إذا كان صادقاً على شيء يحميهم أو يخفف عنهم ذلك المصاب، فقال منبهاً على شدة الحذر من مكر الله وعد الاغترار به للمؤمن الطائع لعلمه، أنه لا يقدر أن يقدر الله حق قدره فكيف بالمعاصي فضلاً عن الكافر مكرراً للأمر بالقول تنبيهاً على أن كل جملة صدرت به كافية في الدلالة على مقصود السورة وعائدة إليه لما اشتملت عليه نم باهر القدرة ووافر العظمة :( قل ) أي يا أفضل الخلق كلهم وأشرفهم وأعظمهم وأتقاهم لهؤلاء الذين طال تضجرهم منك وهم يتمنون هلاكك حسداً منهم وعمى في قلوبهم وبعداً وطرداً، قد استحكم واستدار بهم ذلك تقدير العزيز العليم ) أرءيتم ) أي أخبروني خبراً أنتم في الوثوق به على ما هو كالرؤية.
ولما كاننا غير عالمين الأمر في هلاكه ومن معه بما يقصدونهم به، حذرهم عاقبة ذلك بالتعبير بأداة الشك، وإسناد الإهلاك إلى الله معبراً عن الاسم الدال على تناهي العظمة إلى حد لا يدع لغيره منها شيئاً إعلاماً بأنه على القطع بأنه لا شيء في أيديهم فهو لا يخافهم بوجه فقال :( إن أهلكني ) أي أماتني بعذاب أو غيره ) الله ( أي