صفحة رقم ٩٢
ولما كان هذا الحرف اسماً لما به ظهور أمر لم يختص بشيء من المظهرات دون آخر بل شمل النور والحاسة والمراد والمادة، ولذلك كان مع الكاف الذي هو علم التكوين سبب ظهور كل شيء
٧٧ ( ) إنما قلنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ( ) ٧
[ النحل : ٤٠ ] ولصدقه على كل مظهر فسره ابن عباس رضي الله عنهما بالدواة ففسر بما يستمد منه القلم، وليلحظ موقعه في نجد فإنه اسم لما ارتفع من الأرض وظهر في نفسه وأظهر غيره، وفي نهود الجارية وهو ظهور نهدها، وفي النهب وهو ما أخذ أخذاً ظاهراً كما قال ( ﷺ ) ( ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم ) وفي النفخ والنفع والنصر والنقر والنقب وما أشبهها فإنها كلها ظهور وإظهار كالنم والمن والنمؤ ولأجل علوه واستطبانه وأنه استغراق المظهر المبين كانت إقامته يتعالى الألف وهو الواو وانتهاؤه إلى مثل ما بدأ به، ولكون الميم تماماً كان قوامه بمتنزل كالألف التي هي الياء في قولك ميم، ولرجوع الواو إلى علو الألف كان عمادها الألف في قولك ( واو ) وهذه الحروف الثلاثة ظاهرة في عالمين ظاهرهما المبدوء به وباطنهما المختوم به، فالنون الأولى يعبر بها عن نور الأبصار، والخاتمة يعبر بها عن نور القلب، ولما كان الهاء وتر الدال، وكان محيطاً باطناً غيباً وجب أن يكون مخحل تضعيفه بالياء محل محيط باطن نازل الرتبة في الغيب عن الهاء لوقوعه في رتب العشرات وهو النون، فكان ظاهراً بالإضافة إلى خفاء الهاء باطناً بالإضافة إلى ظهور الميم، فيكون بالنون ظهور الميم المعبر عن ( الملك ) الذي سبق في السورة الماضية كما كان شهادة الدال وثبوته بالهاء.
ولذلك انبنى تمام كل عمل على نور علم كما كان قوام ظاهر كل دال غير هاء، وكان النون مداداً ملثل العلم الذي يظهر صورها بسطر القلم حتى أن آية ما بطن منه فأظهره القلم هو ما بطن دون الأرض من النون الذي عليه الأرض الذي أول ما يطعمه أهل الجنة زيادة كبده مع الثور الذي عليه الأرض أيضاً الذي يذبح لهم - على ما ورد في الخبر، وقابل استبطان النون في الأرض ظهور القاف على ظاهرها الذي هو جبل الزبرجد المحيط بالدنيا، وعن ذلك الاستيلاء على القلوب في الدنيا إنما يكون بالعلم الذي هو حقيقة نون كما أن الاستيلاء على الأجسام في ظاهر الدنيا إنما يكون بالقدرة التي هي حقيقة قاف على ما يظهر من أجالتي العلماء في النون الأبطن والملوك في القاف الأظهر، وهذان الصفنان من الخلق هما المستوليان على الناس بالآيالة ونفوذ