صفحة رقم ٩٥
فأظهر جميع العلوم، ثم ختم على فيه فلم ينطق ولا ينطق إلى يوم القيامة، والذي يكتب فيه الخلق ما نولهم الله من تلك المعارف والفهوم، وذلك هو قوام أمور الدنيا، والإشارة به إلى القضاء الذي هو من نتائج ( ن ) لأنه من مصنوعات الله الظاهرة التي اقتضت حكمته سبحانه إيجادها ووجهه إلى تفصيل ما جرى به الحكم.
ولما كان الحاصل بالقلم من بث الأخبار ونشر العلوم على تشعبها والأسرار ما يفوق الحصر، فصار كأنه العالم المطيق واللسن المنطيق، وكان المراد به الجنس أسند إليه كما يسند إلى العقلاء فقال :( وما يسطرون ) أي قلم القدرة، وجمعه وأجره مجرى أولي العلم للتعظيم لأنه فعل أفعالهم، أو الأقلام على إرادة الجنس، ويجوز أن يكون الإسناد غلى الكاتبين به لما دل عليهم من ذكره، إما الملائكة إن كان المراد ما كتب في الكتاب المبين واللوح المحفوظ وغيره مام يتكبونه، وإما كل من يكتب منهم ومن غيرهم حتى أصحاب الصحيفة الظالمة التي تقاسموا فيها على أن يقاطعوا بني هاشم ومن لافهم حتى يسلموا إليهم رسول الله ( ﷺ ) يصنعون به ما شاؤوا، وكيف ما كان فهو إشارة إلى المقدر لأنه إنما يسطر ما قضى به وحكم.
ولما كان المخاطب بهذا ( ﷺ ) قد عاشر المرسل إليهم دهراً طويلاً وزمناً مديداً أربعين سنة وهو أعلاهم قدراً وأطهرهم خلائق وأمتنهم عقلاً وأحكمهم رأياً وأرأفهم وأرفعهم عن شوائب الأدناس همة وأزكاهم نفساً بحيث إنه لا يدعى بينهم إلا بالأمين ولم يتجدد له شيء يستحق به أن يصفوه بسببه بالجنون الذي ينشأ عنه الضلال عن المقاصد المذكور آخر الملك في قوله
٧٧ ( ) فستعلمون من هو في ضلال مبين ( ) ٧
[ الملك : ٢٩ ] إلا النعمة التي ما نال أحد قط مثلها في دهر من الدهور ولا عصر من الأعصار، قال مجيباً هذا القسم العظيم راداً عليهم بأجلى ما يكون وأدله على المراد تأنيساً له ( ﷺ ) مما أوجب افتراؤهم عليه له من الوحشة وشرحاً لصدره وتهدئة لسره :( ما أنت ) أي يا أعلى المتأهلين لخطابنا ) بنعمة ) أي بسبب إنعام ) ربك ( المربي لك بمثل تلك الهمم العالية والسجايا الكاملة بأن خصك بالقرآن الذي هو جامع لكل علم وحكمة، وأكد النفي زيادة في شرفه صل الله عليه وسلم فقال :( بمجنون ) أي بل الذي وصفك بهذا هو الحقيق باسم الجنون ومعناه فضلاً عن الضلال الذي ردد في آخر تلك بينك وبينهم فيه سلوكاً لسبيل الإنصاف لينظروا في تلك بالأدلة فيعلموا ضلالهم وهدايتك بالدليل القطعي بالنظر في الآثار المظهرة لذلك غاية الإظهار، فنفى عنه ( ﷺ ) الشقاوة التي سببها فساد العقل فثبتت السعادة التي سببها صلاح العقل ونعمة الرب له.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما تضمنت سورة الملك من عظيم البراهين ما