صفحة رقم ٩٩
موضعه ودوران المحلة بما عليها من القواديس وجري الماء في الجداول على وفق القضاء وهو القدر، ويحتاج رابعاً وخامساً إلى بيان انقسام المقدر له إلى شقي وسعيد، فالحكم باطن وهو سر من أسراره سبحانه وتعالى - سبحان من لا يعلم قدره غيره.
ولما أقسم سبحانه على نفي ما بهتوه به ودل على ما وهبه من كمال العقل وتمام الشرف والنبل تصريحاً فثبت غاية الثبات بأخراب العالم الحكيم، دل عليه بالمشاهدة على وجه من أعلى الخل قوأشرفهم وأكملهم عن قريب بوعد لا خلف فيه علماً أنت في تحققه كالمبصر بالحسن الباصر ) ويبصرون ) أي يعلم الذين رموك بالبهتان علماً هو كذلك.
القلم :( ٦ - ١٢ ) بأيكم المفتون
) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ فَلاَ تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّآءِ بِنَمِيمٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ( ( )
ولما كان ( ﷺ ) هو ومن معه فريقاً والأعداء فريقاً، وقد أبهم آخر الملك الضال في الفريقين قال :( بأبيكم ) أي في أي فريقيكم ) المفتنون ) أي بالضلال والجنون حتى صد عن الهدى ودين الحق، أو بأيكم الفتنة بالجنون وغيره على أن يكون مصدر فتن، قال الرازي : مصدر مثل المفتون وهو الجنون بلغة قريش كما يقال : ما له معقول وليس له مجلود، أي عقل وجلادة.
ولما كان هذا إخبار بجنونهم لضلالهم على هذا الوجه المتصف، وكان مثل هذا يقد يقع في محاورات الناس بضرب من الظن، استأنف تعالى ما هو كالتعليل لما أفاده السياق من هذا الحكم عليهم إعلاماً بأنه ناشئ عن علم قطعي لا مرية فيه بوجه، فقال مؤكداً لأجل إنكارهم لأن يكون الأمر على ما أفاده ما تقدم : إن ربك أي الذي رباك أحسن تربية وجبلك على أعظم الخلائق ) هو ) أي وحده ) أعلم ) أي من كل أحد لا سيما من يتحرض ) بمن ضل ) أي حار وجار وذهب وزل وضاع وغاب غيبة عظيمة لا يهتدي منها، وسلك غير سبيل القصد، واخطأ موضع الرشد، معرضاً ) عن سبيله ( فكان أجن المجانين لأنه سبحانه وتعالى خالقهم، وشارعه ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) ولا سيما وهو الحي القيوم الذي لا يغفل ) وهو ) أي خاصة ) أعلم بالمهتدين ) أي الثابتين على الهدى وهم أولوا الأحلام والنهى، وهذا سر القدر الذي يقال : إنه إنما يظهر يوم الحاقة.