عن هذا فقال :" إننا إذا تصورنا المجتمع الإسلامي الصحيح، الذي يعمل أفراده فيتقنون العمل، استجابة لنداء الإسلام: يمشون في مناكب الأرض الذلول، ويلتمسون الرزق في خباياها، وينتشرون في أرجائها زُرَّاعًا وصُنَّاعًا، وتُجَّارًا، وعاملين في شتى الميادين، ومحترفين بشتى الحرف، مستغلين لكل الطاقات، منتفعين بكل ما استطاعوا مما سخر الله لهم في السموات والأرض جميعًا منه- إذا تصورنا هذا المجتمع، فكم تكون نسبة القادرين الذين تجب عليهم الزكاة في ثرواتهم ودخولهم؟، إن النسبة بلا ريب ستكون كبيرة جدًا، والعدد سيكون هائلاً.
وكم تكون نسبة الذين قعد بهم العجز عن العمل، أو أعيتهم كثرة العيال وقلة الدخل؟
إنها بلا شك ستكون نسبة ضئيلة جدًا، والعدد سيكون محدودًا.
وهنا يتسع المجال -وحصيلة الزكاة من الضخامة كما ذكرنا- لنأخذ منها عن سعة لتمليك ذوي الدخل الضئيل أو الذين لا دخل لهم، فتقرب المسافة بينهم وبين غيرهم من الموسرين من أبناء الأمة. إن أعظم آفة تصيب المجتمع وتهز كيانه هزًا، وتنخر في عظامه من حيث يشعر أو لا يشعر: أن يوجد الثراء الفاحش إلى جانب الفقر المدقع، أن يوجد من يملك القناطير المقنطرة ومن لا يملك قوت يومه، أن يوجد من يضع يده على بطنه يشكو زحمة التخمة، وبجواره من يضع يده على بطنه يشكو عضة الجوع، أن يوجد من يملك القصور الفخمة لا يسكنها ولا يحتاج إليها، وبالقرب منه حجرة "البدروم" التي تضم في أحشائها الدقاق رجلاً وأبويه وزوجه وأولاده!!
إن هدف الزكاة ألا يقع هذا التفاوت الشاسع البشع، وأقل ما تحققه أن يختفي هذا الفريق الثاني الذي لا يجد مستوى العيش اللائق به من الطعام والكساء والمأوى، وأكثر من ذلك أنها تعمل على أن ترتفع بهؤلاء حتى يقتربوا من أولئك ويدخلوا في زمرة الأغنياء المالكين " (١).