و الله تعالى يخاطب عباده بما يفهمون، و التجارة من الأشياء التي يزاولونها و يفعلونها كل يوم في حياتهم، فيعرفونها جيدا. و يكون الأسلوب أقرب إلى الفهم حيث استعيرت الكلمة السائرة و المشهورة بين المخاطبين، كما أن التمثيل بالتجارة أقوى و أشد تأثيرا و أوضح تصورا، و هذا الأمر له مكانته في نفوس القارئين و السامعين.
الفصل الخامس : الفرق بين التجارة و البيع
ذكر الله هاتين الكلمتين في آية وحدة، و هي قوله في سورة النور : فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ، رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ، لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ، (١). هل هناك فرق بينهما ؟ و قد تقدم أن معنى التجارة هو البيع، فلما ذكرت الكلمة و معناها في نفس الوقت إذا لم يكو الفرق موجودا ؟
إفراد البيع بالذكر مع اندراجه تحت التجارة للإيذان بإنافته على سائر أنواعها لأن ربحه متيقن ناجز وربح ما عداه متوقع في ثاني الحال عند البيع فلم يلزم من نفي إلهاء ما عداه نفي إلهائه ولذلك كرر كلمة ﴿ لا ﴾ لتذكير النفي وتأكيده، وجوز أن يراد بالتجارة المعاوضة الرابحة وبالبيع المعاوضة مطلقاً فيكون ذكره بعدها من باب التعميم بعد التخصيص للمبالغة، وقيل أن المراد بالتجارة هو الشراء لأنه أصلها ومبدؤها فلا تخصيص ولا تعميم، وقيل : المراد بالتجارة الجلب لأنه الغالب فيها فهو لازم لها عادة (٢).

(١) النور : ٣٦-٣٨
(٢) شهاب الدين محمود ابن عبدالله الألوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، ج ١٣ ص ٤٥٣، من الشاملة.


الصفحة التالية
Icon