فالقرآن الكريم يوضح لنا هذا الأمر فيضرب لنا مثلاً في قصة إبراهيم -عليه السلام- وصاحب القوة والنفوذ والسلطان حيث يقول: }أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{([٢٦]).
وهكذا فالقرآن الكريم يهدي الناس فيما يهديهم إلى أن يحتكموا إلى الحق وإلى أن يسلكوا الطريق الصحيح إليه، وهو طريق المحاورة، حتى لا يضلوا فيسلكوا بادئ ذي بدء طريق القوة دون منطق، فيكونوا حينئذٍ قد سلكوا ذات الطريق التي سلكها سائر الحيوانات العجم حين تختلف، وهو طريق القوة البدنية دون منطق.
فيجعل القرآن كل قضاياه سبيلها الحوار، ويجعل كل خلافه مع أعدائه ومخالفيه قائماً على الحوار ولا يجعل من القوة سبيلاً قط إلى التعامل مع المخالفين، وإنما يجعلها عقوبة للمصرين على الباطل بعد سطوع الحق لتكون أيضاً وسيلة إلى إعادتهم إلى الحق كما مر علينا.
فمن هنا ندرك أهمية الحوار في حياة الناس، وندرك مدى عظم هذه الأمنية، أمنية أن تصبح المحاورة سبيل الناس في وصولهم إلى الحق، ووصول حقهم إليهم.
---
([١]) الرسالة للإمام المطلبي محمد بن إدريس الشافعي ص٢٠ الفقرة ٤٨، تحقيق أحمد محمد شاكر، المكتبة العلمية بيروت- لبنان.
([٢]) انظر الموافقات في أصول الشريعة لأبي إسحاق الشاطبي إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي ٣/٢٥٧، شرحه وخرج أحاديثه عبدالله دراز، الكتب العلمية بيروت، لبنان.
([٣]) سورة القمر آية ١٧.
([٤]) سورة مريم آية ٩٧.


الصفحة التالية
Icon