ولعدم دقة هذا المصطلح نشأ خطأ آخر، وهو أنهم جعلوا التفسير بالرأي في مقابل التفسير بالمأثور، ويقصدون الأنواع الأربعة السابقة، فصار في هذه المسألة خلط وتخبط، فمن ذلك :
أن بعضهم يقررون في تفسير الصحابة والتابعين أنهم اجتهدوا وقالوا فيه برأيهم، ثم يجعلون ما قالوه بهذا الرأي من قبيل المأثور، ناسين ما قرروه من أنهم قالوا بالرأي، فيُجعل قولهم مأثوراً وقولُ غيرهم رأياً ؟
ومن ذلك كذلك : أنهم يجعلون –مثلاً- تفسير ابن جرير من قبيل التفسير بالمأثور، ولا ريب أنّ ابن جرير شيخ المفسرين، وأنّ تفسيره اشتمل على كثير من المأثور. لكن لو أردت تطبيق مصطلح التفسير بالمأثور، فإنك ستجد اختيارات ابن جرير وترجماته، فهل هذه من قبيل الرأي أم من قبيل المأثور؟ فإن كان الأول فكيف يحكم عليه بأنه مأثور؟! وإن كان الثاني فإنه غير منطبق لوجود اجتهادات ابن جرير، فهناك فرق بين أن نقول: فيه تفسير بالمأثور، أو نقول هو تفسير بالمأثور.
بعد ذلك يتأتى لنا أن نطرح هذا السؤال الذي انقدح في فؤاد كثيرٍ منكم..
وهو : هل يوجد تفسير يسمى مأثوراً؟
الجواب (نعم).
فالمأثور هو ما أثر عن رسول الله - ﷺ -، وعن صحابته رضي الله عنهم، وعن التابعين، وعن تابعيهم، ممن عُرفوا بالتفسير، وكانت لهم آراء مستقلة مبنية على اجتهادهم.
وعلى هذا درج من ألف في التفسير بالمأثور؛ كبقي بن مخلد، وابن أبي حاتم، والحاكم، وغيرهم.
وقد جمع السيوطي رحمه الله في (الدر المنثور في التفسير بالمأثور) من ذلك شيئاً كثيراً. وذكر الروايات الواردة عن الرسول - ﷺ - وصحابته، وتابعيهم، وتابعي تابعيهم.
فإذا كان هذا هو تعريف التفسير بالمأثور فهل يجب الأخذ به ؟


الصفحة التالية
Icon