فالأول لا مجال للرأي فيه. كالاكلام في أسباب النزول، والأمور الغيبية، ومما يدخل هنا : أن لا تحتمل الكلمة إلا معنىً واحداً فليس من سبيل هنا لإقحام الرأي.
فالتفسير بالرأي يكون فيما جهته الاستدلال.
فلو قال قائل : هل يمكن أن تذكر لنا صوراً من الرأي المذموم ؟
الجواب : من صور ذلك :
١/ الكلام عن الغيبيات بدون دليل، كالكلام عن كيفية الدابة التي تكلم الناس.
٢/ الكلام عن الآيات التي علم تفسيرها بالأثر. كالآيات التي فسرها الصحابة رضي الله عنهم.
٣/ الاعتماد في التفسير على اللغة العربية فقط وسبق الكلام عن هذا، فالوجه المعين قد يصلح إعراباً ولا يصلح تفسيراً.
٤/ أن يخضع القرآن لبدعته.
ومن المسائل المهمة هنا :
لقد بان لنا أنّ مِن الصحابة والتابعين وأتباعهم مَنْ فسر القرآن برأيهم، فهل نُسمِّي ما ورد عنهم تفسيراً بالمأثور، وما ورد عن غيرهم تفسيراً بالرأي؟
الجواب : هذا التقسيم على هذا النحو فيه قصورٌ ظاهرٌ، وذلك لأمرين:
الأول: أن أغلب من قسّم هذا التقسيم جعل حكم المأثور وجوبُ الأخذ به على إطلاقه، مع أن بعضهم يحكي خلاف العلماء في قبول أقوال التابعين، كما ينسى حكم ما اختلفوا فيه: كيف يجب الأخذ به مع وجود الاختلاف بينهم؟
الثاني: أن في ذلك تناسياً لجهود السلف في التفسير، وتجاهلاً لرأيهم فيه، فهم أول من بذر بذرته.
إن هؤلاء السلف قالوا في القرآن بآرائهم، كما قال المتأخرون بآرائهم، ويا بعد ما بين الرأيين ؛ فرأي السلف هو المقدّم بلا إشكال.
ومما سبق تقريره في الحلقة الماضية : أنّ المقابلة بين التفسير بالمأثور (على أنه تفسير القرآن بالقرآن، ثم بالسنة، ثم بأقوال الصحابة، ثم بأقوال التابعين) والتفسير بالرأي (على أنه ما عدا ذلك) خطأ محضٌ لا دليل عليه.