ثانياً : من أسباب النزاع أيضاً أن تكون الكلمة من قبيل المتواطئ اللفظي، تصدق على هذا وعلى هذا. فيحملها بعض المفسرين على الأول، ويحملها آخرون على الثاني، فيحدث التنازع بينهم بهذا. مثلاً : الضمير في :﴿ ثم دنا فتدلى ﴾ هل الضمير المستتِر في الفعل (دنا) يعود على نبينا - ﷺ - أم على جبريل عليه السلام؟ خلاف. وقيل بغيرهما. لماذا اختلفوا؟ لأن الضمير من قبيل الألفاظ المتواطئة التي تصدق على أفراد كثيرين. فإذا عُدم المرجح ولم يكن من تعارض حُملت الآية على كلا القولين.
فمثل هذه الأشياء- قال رحمه الله - كَلَفْظِ :﴿ وَالْفَجْرِ ﴾ ﴿ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ ﴿ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ﴾ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. فَمِثْلُ هَذَا قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ كُلُّ الْمَعَانِي الَّتِي قَالَهَا السَّلَفُ وَقَدْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فَالْأَوَّلُ إمَّا لِكَوْنِ الْآيَةِ نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ فَأُرِيدَ بِهَا هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً وَإِمَّا لِكَوْنِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعْنَيَاهُ إذْ قَدْ جَوَّزَ ذَلِكَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ : الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنْبَلِيَّةُ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَإِمَّا لِكَوْنِ اللَّفْظِ مُتَوَاطِئًا فَيَكُونُ عَامًّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِهِ مُوجِبٌ فَهَذَا النَّوْعُ إذَا صَحَّ فِيهِ الْقَوْلَانِ كَانَ مِنْ الصِّنْفِ الثَّانِي.
إذاً الخلاصة :
إذا تقرر عندنا جواز تكرار نزول القرآن ؛ فلا مانع من أن ينزل القرآن أولاً ليقرر معنىً من المعاني التي يحتملها لفظ الآية، ثم ينزلَ ثانياً ليقرر فيه معنى آخر، والمعنيان لا تنافيَ بينهما.