وقال ابن القيم رحمه الله -في مسألة أن الحروف ينوب بعضها عن بعض-:" وأما فقهاء أهل العربية فلا يرتضُون هذه الطريقة، بل يجعلون للفعل معنى مع الحرف ومعنى مع غيره، فينظرون إلى الحرف وما يستدعي من الأفعال فيُشَرِّبون الفعل المتعدِّي به معناه، هذه طريقة إمام الصناعة سيبويه رحمه الله تعالى وطريقة حذاق أصحابه يضمنون الفعل معنى الفعل، لا يقيمون الحرف مقام الحرف، وهذه قاعدة شريفة جليلة المقدار تستدعي فطنة ولطافة في الذهن وهذا نحو قوله تعالى ﴿ عينا يشرب بها عباد الله ﴾ " اهـ من بدائع الفوائد مج٢ ص ثمانٍ وخمسين ومئتين.
مثال آخر ذكره شيخ الإسلام رحمه الله في قوله تعالى :﴿ من أنصاري إلى الله ﴾، قيل: المعنى من أنصاري مع الله، والصواب: من ينيب معي إلى الله. فيبقى الحرف كما هو.
مثال آخر :﴿ وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك ﴾. بعضهم قال: عن بمعنى في، أقول لك: لا تفتنُ فلاناً في دينه. ولكن الصواب أن يُقال: ضمن(يفتنونك) معنى (يزيغونك). فهذه الطريقة فيها زيادة معنى، بخلاف طريقة الكوفيين الجامدة.
قد يُقال : ما الضابط لهذا ؟
نقول : الضابط حرف التعدية الذي يشير إلى الفعل المضمَّن، وعلى المفسِّر أن ينظر في السياق والسباق، وينظر في الفعل المناسب لهذا الموضوع والحرف.
أما القول بتناوب الحروف فهذا لا يتناسب مع مكانة القرآن الكريم وبلاغته.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : ؟وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا؟ ضُمِّنَ مَعْنَى نَجَّيْنَاهُ وَخَلَّصْنَاهُ، ولا يُقال : من القوم، أي: على القوم.
فلماذا جاء شيخ الإسلام بهذه المسألة هنا :
لأن بعض المفسرين يفسر الآيات التي اشتملت على هذه الأحرف تفسيراً ناقصاً بالقول بنيابة الحروف، ولو قال بالتضمين لكان قوله نوراً على نورٍ لما يكون به من زيادة في المعنى تناسب بلاغة كتاب الله.
أختم هذه الحلقة بقوله رحمه الله :