ونقل الشيخ ما قاله الإمام أحمد يرحمه الله في ذلك :" ثَلَاثَةُ أُمُورٍ لَيْسَ لَهَا إسْنَادٌ : التَّفْسِيرُ وَالْمَلَاحِمُ وَالْمَغَازِي. وَيُرْوَى: لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ أَيْ إسْنَادٌ.
وهذه الجملة : أعني (ليس له أصل)، يراد بها أمور :
تطلق بمعنى لا سند لها. وتطلق بمعنى أن أسانيدها غيرُ متصلة، فهي مرسلة أو منقطعة، أو معضلة. وتطلق بمعنى أن ما جاء فيها لا أصل له في الشرع.
بالنسبة للمغازي فَإِنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالْمَغَازِي أهلُ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ أَهْلُ الشَّامِ، ثُمَّ أَهْلُ الْعِرَاقِ؛ فَأَهْلُ الْمَدِينَةِ أَعْلَمُ بِهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَهُمْ. وَأَهْلُ الشَّامِ كَانُوا أَهْلَ غَزْوٍ وَجِهَادٍ فَكَانَ لَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ بِالْجِهَادِ وَالسِّيَرِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ، وَلِهَذَا عَظَّمَ النَّاسُ كِتَابَ أَبِي إسْحَاقَ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي ذَلِكَ
فما جاءنا من خبر يتعلق بالمغازي عن طريق هؤلاء ولم يكن في متنه نكارة فإننا نقبله ولا نشدد فيه، فالعلماء لا يشددون في أمر المغازي.
وكذلك "التَّفْسِيرُ" فَإِنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ ; لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمُجَاهِدِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَطَاوُوسِ وَأَبِي الشَّعْثَاءِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَمْثَالِهِمْ. وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْكُوفَةِ مِنْهُ أَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمِنْ ذَلِكَ مَا تَمَيَّزُوا بِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ.
فهؤلاء إذا جاءت الرواية عن طريقهم في التفسير نقبلها ولا نُشدد فيها.
فالمرسل هنا نقبله إذا تعددت طرقه وخلا من المواطأة..


الصفحة التالية
Icon