سبيل الإكرام، لا للرياء، بل ذلك مستحب، ويسن أن يقرأ على ترتيب المصحف، لآن ترتيبه لحكمة، فلا يتركها إلا فيما ورد الشرع باستثنائه، فلو فرق السور أو عكسها كما في تعليم الصغار جاز وقد ترك الأفضل، وأما قراءة السورة منكوسة فمتفق على منعه، ويكره خلط سورة بسورة، والتقاط آية أو آيتين أو أكثر من كل سورة مع ترك قراءة باقيها، وإذا ابتدأ من وسط سورة أو وقف على غير آخرها فليبتدىء من أول الكلام المرتبط بعضه ببعض، وليقف على الكلام المرتبط، ولا يتقيد بعشر ولا حزب، والقراءة في المصحف أفضل منها عن ظهر قلب، لأنه يجمع القراءة والنظر في المصحف وهو عبادة أخرى. نعم إن زاد خشوعه وحضور قلبه في قراءته عن ظهر قلب، فهي أفضل في حقه، قاله الإمام النووي تفقها وهو حسن، ولا يحتاج قراءة القرآن إلى نية كسائر الأذكار إلا إذا نذرها، فلا بد من نية النذر، وتستحب قراءة الجماعة مجتمعين سواء كانت مدارسة أو إدارة، وتجوز قراءة القرآن بالقراءات المجمع على تواترها دون الروايات الشاذة، ومن قرأ بالشاذة يجب تعريفه بتحريمها كما عليه الجمهور إن كان جاهلا، وتعزيره ومنعه منها إن كان عالما، وإذا ابتدأ قارىء بقراءة أحد القراء فينبغي أن يستمر على القراءة بها ما دام الكلام مرتبطا، فإذا انقضى ارتباطه فله أن يقرأ بغيرها، والأولى دوامه على الأولى في هذا المجلس، ولا تجوز القراءة بالعجمية مطلقا، كما لا تجوز بجمع القراءات في محافل العامة دون العرض على الشيوخ مع ما فيه، وتستحب القراءة بالترتيل وتحسين الصوت بشرط أن لا تخرج عن حدود الواجب شرعا من إخراج كل حرف من مخرجه موفى حقه ومستحقه، وإلا كرهت، وتكره بالإفراط في الإسراع مطلقا، وتستحب القراءة أيضا بالتدبر والتفهم بأن يشغل القارىء قلبه بالتفكر في معنى ما يلفظ به فيعرف معنى كل آية، ويتأمل الأوامر والنواهي، ويعتقد قبول ذلك، ولا بأس بتكرير الآية وترديدها حتى يتم له ذلك، فإن كان مما قصر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر، وإذا مر بآية فيها ذكر محمد ﷺ صلى عليه سواء القارىء والمستمع، ويتأكد ذلك عند قوله تعالى (إِنَّ اللَهَ وَمَلائِكَتِهِ يُصَلّونَ عَلى النَبِيِّ يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا صَلّوا عَلَيهِ وَسَلِّموا تَسليماً). وإذا مر بآية رحمة استبشر وسأل، أو عذاب أشفق وتعوذ، أو تنزيه نزه وعظم، أو دعاء تضرع وطلب، وليقل بعد خاتمة والتين: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، وبعد خاتمة القيامة: بلى وبعد خاتمة المرسلات: آمنا بالله وبعد خاتمة الملك: الله رب العالمين وبعد: فبأي آلاء ربكما تكذبان، ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد، وبعد ختم والضحى وما بعدها يكبر وليخفض صوته بقوله: وقالت اليهود عزيز ابن الله، وقالت النصارى المسيح ابن الله ونحو ذلك، وإذا فرغ من لفاتحه يقول آمين.
ويستحب أن يكثر من البكاء عند القراءة والتباكي لمن لا يقدر عليه، والحزن والخشوع، وطريق تكلف البكاء أن يحضر قلبه الحزن، فمن الحزن ينشأ البكاء، ووجه إحضار الحزن أن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد والمواثيق والعهود ثم يتأمل في تقصيره في امتثال أوامره وزواجره فيحزن لا محالة ويبكي، فإن لم يحضره حزن وبكاء كما يحضر أرباب القلوب الصافية، فليبك على فقد ذلك منه فإنه من عظم المصائب.
ويستحب أن يراعى حق الآيات، فإذا مر بآية سجدة من سجدات التلاوة سجد ندبا، خلافا للحنفية حيث قالوا بوجوبها، وهي عند الشافعية في الجديد أربع عشرة سجدة: في الأعراف، والرعد، والنحل، والإسراء، ومريم، واثنان في الحج، وفي الفرقان، والنمل، والم السجدة، وحم السجدة، والنجم والانشقاق، والعلق وأما سجدة ص فسجدة شكر.


الصفحة التالية
Icon