دعوة الأمم إلى توحيد الله من عهد إبراهيم
أراد الله سبحانه وتعالى أن يجمع الأمم على ملة واحدة وهي ملة التوحيد لله عز وجل، فلا يكون هناك تعدد بين الآلهة، ولا شرك ولا وثنية، ولا أبوة ولا بنوة لله تعالى، وهذا أمر سهل يسير، وله أهداف سامية عالية، من أهمها منع التنازع والخصام بين الناس، وإشاعة المودة والمحبة بين الأفراد، لذا أمر الله نبيه أن يدعو الناس إلى العدل والوسط والكلمة السواء: وهي ألا نعبد جميعا إلا الله، وألا نشرك به شيئا، وألا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من غير الله، فكل دين سماوي لا يختلف عن الآخر في إثبات الوحدانية والربوبية لله تعالى. وإذا كان الأمر على هذا المنهج المعتدل الوسط، فهيّا بنا جميعا إلى إعلانه واتباعه وإذابة الفوارق وتوحيد العقيدة، وإن اعترضنا شيء من سوء التفاهم والخلاف، وجب أن نرده إلى أصل التوحيد وكلمته، فلا نقول: إن أحد البشر هو ابن الله، فإن تولى المشركون وأهل الكتاب عن هذه الدعوة الصريحة وأعرضوا عن قبولها، فقولوا أيها المؤمنون: اشهدوا بأنا مسلمون حقا منقادون لله، نعبده وحده مخلصين له الدين، وأما أنتم فلستم هكذا.
قال الله تعالى مقررا هذا المنهج المعتدل:
[سورة آل عمران (٣) : آية ٦٤]
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٦٤)
«١» [آل عمران: ٣/ ٦٤].
التزم النبي صلّى الله عليه وسلّم بالكلمة السواء هذه، وكتب بها إلى هرقل عظيم الروم وإلى غيره من أمراء وملوك العالم، ودعا بها أهل الكتاب في الجزيرة العربية، وكذلك ينبغي أن يدعى بها أهل الكتاب إلى يوم القيامة.
ثم أوضح القرآن حقيقة ملة إبراهيم عليه السلام، وهي ملة التوحيد، ورد على

(١) كلمة عدل ووسط.


الصفحة التالية
Icon