سادن الكعبة، فحينما دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة يوم الفتح، أغلق عثمان باب الكعبة، وصعد إلى السطح، وأبى أن يدفع المفتاح إليه، وقال: لو علمت أنك رسول الله لم أمنعك، فأخذه علي بن أبي طالب بالقوة، وفتح الباب، ودخل رسول الله، وصلى ركعتين في الكعبة، فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح، ويجمع له السقاية والسدانة، أي خدمة الكعبة، فنزلت الآية: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها.. فأمر النبي عليا أن يرد مفتاح الكعبة إلى عثمان، ويعتذر إليه.
ورد الأمانات لا يقتصر على هذه الحالة، لأن الأمر بذلك عام لكل مسلم في كل أمانة في ذمته، سواء أكانت عامة للأمة، أم خاصة لشخص معين، والأمانة ورعايتها مطلوبة في كل شيء، في النفس، ومال الآخرين، ورد الودائع، وترك الغش في المعاملات، والجهاد والنصيحة، وعدم إفشاء أسرار الناس وعيوبهم، والأمانة في الدين بفعل ما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه. والأمانة في النفس: بألا يفعل الإنسان إلا ما ينفعه في الدين والدنيا والآخرة، وألا يقدم على عمل يضره في آخرته أو دنياه، ويتوقى أسباب المرض، ويعمل بالقواعد الصحية، ولا يعرض نفسه للهلاك، لقوله تعالى: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة: ٢/ ١٩٥]
وقوله صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه البخاري: «إن لنفسك عليك حقا».
وكما أن أداء الأمانات واجب، العدل في القضاء والحكم بين الناس واجب أيضا، حتى يتحقق التناصف، ويأخذ الضعيف أو المظلوم حقه، ولا يبغي القوي على الضعيف، ويسود الأمن والاستقرار والنظام، ونعم الشيء الذي يعظ الله به من أداء الأمانات والحكم بالعدل، والله سميع لكل شيء، بصير بالمرئيات، ويحاسب الناس ويجازيهم على أعمالهم، والتعقيب على أداء الأمانات والعدل بالسمع والبصر أمر حسن، يدفع الإنسان المأمور لفعل ما أمر به.