لكن هؤلاء المنافقون يقولون في الظاهر أمام الرسول: أمرك طاعة، أي مطاع، فإذا خرجوا من مكانك وتواروا عنك، دبروا ليلا رأيا آخر فيما بينهم، غير ما أظهروا لك، والله يكتب ويسجل عليهم ما يبيتونه ليلا، ويضمرونه سرا، فإنا مجازوهم، ولا تأبه بهم، واصفح عنهم وأعرض عن عتابهم، وتوكل على الله وفوض أمرك إليه، فإن الله كافيك شرهم، وكفى بالله ناصرا ومعينا وموكلا في الأمور، لمن توكل عليه وأناب إليه.
هؤلاء المنافقون الضالّون حمقى وقصيرو النظر وعمي عن حقيقة النبوة والرسالة، فهلا تفكروا وتأملوا في معاني القرآن وألفاظه البديعة، فهو الكفيل بتصحيح خطئهم ومنهجهم، والقرآن يخبرهم أنه لا اختلاف فيه، ولا اضطراب ولا تعارض، لأنه تنزيل من حكيم حميد، فهو حق من حق، قال سبحانه:
[سورة النساء (٤) : آية ٨٢]
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (٨٢)
[النساء: ٤/ ٨٢].
ولو كان القرآن مختلقا من عند غير الله، كما يزعم المشركون والمنافقون في سرهم، لوجدوا فيه اختلافا كثيرا، أي اضطرابا وتضادا كثيرا، فهو سالم من الاختلاف، لكونه من عند الله تعالى.
وسلامة القرآن من الاختلاف تشمل لفظه ومعانيه، فألفاظه في مستوى بلاغي واحد، ومعانيه في العقيدة والشريعة والأخلاق والأحوال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تخدم وتقرر هدفا واحدا، وتبني أمة واحدة، وترمي إلى تحقيق مقصد واحد. قال الله تعالى: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (٩) [الإسراء: ١٧/ ٩]. وقال عز وجل: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٢٣) [الزمر: ٣٩/ ٢٣].


الصفحة التالية
Icon